09 - 05 - 2025

موت الأحلام بين دراما الشاشة وواقع المجتمع

موت الأحلام بين دراما الشاشة وواقع المجتمع

- مقارنة بين موت مؤمن علي الشاشة وموت شريف نصار في الواقع.. أيهما أخطر أن تحيا بحلم لا تستطيع تحقيقه أم أن تعيش بلا أحلام ؟

في عمله الأخير "قهوة المحطة"، الذي عرض في رمضان 2025، يقدم الكاتب عبد الرحيم كمال عملاً دراميا يعكس بمهارة الصراع الأبدي بين الحلم والواقع، ويصور كيف تتداخل الحياة اليومية مع الخيال. يتزامن عرض المسلسل في نفس السنة مع وفاة الشاب شريف نصار (الجمعة 25 أبريل 2025) "التيك توكر" الذي وافته المنية في ظروف مؤلمة، ليعكس بوضوح التشابه بين الشخصيات في الدراما والواقع، وهذا التزامن ليس مجرد صدفة، بل هو تعبير مكثف عن حال الحالمين في مجتمع قاس لا يرحم.

الصراع بين الحلم والواقع: دراما تلامس الواقع

في المسلسل، يمثل شخصية "مؤمن الصاوي" (أحمد غزي) رمزًا لمن يأتي إلى القاهرة محملًا بالأحلام والطموحات، ليصطدم بواقع مرير يحطم كل ما بناه. الحلم يتحول إلى سراب سريع الزوال، مما يثير فينا سؤالًا أساسيا: هل كان مؤمن ضحية واقع يرفض الحلم؟ أم أن الحلم نفسه كان مجرد وهم؟ شريف نصار مثقف مستنير من مدينة الإسكندرية، حمل على عاتقه رسالة سامية تهدف إلى الارتقاء بالوعي الجمعي ومواجهة موجات التفاهة التي اجتاحت المجتمع، شريف أصر علي تقديم محتوي جاد يتضمن الشعر وتلخيص بعض الكتب، وكان يقدم هذا الرحيق المستخلص لمتابعيه، ولكن يبدو أن ما قدمه صار بمعايير زماننا مرفوضا ونغمة نشازا وسط سيمفونية فاسدة ، امتلك  شريف من الفكر والقدرة ما يؤهله لأن يكون عامل تغيير حقيقي لمجتمعه ، إلا أن جهوده النبيلة قوبلت، للأسف، لدى بعض الفئات، بالاستهزاء والتنمر بدلاً من التقدير والاحتفاء.

هذا الرفض والسخرية من بعض أفراد المجتمع يحيلنا لرفض آخر (مؤسسي) لأحلام الشباب تعرض له الشاب القروي (عبد الحميد شتا) الذي اجتاز إختبارات القبول للعمل بالخارجية المصرية  الإ أنه وجد نفسه مرفوضا في إختبار آخر سمي (الهيئة الإجتماعية)! بسبب فقره وتدني المستوي الإجتماعي لأسرته! فلم يجد حضنا أكثر دفئا من مياة وقاع النيل.

هكذا يصبح الحلم الفردي مشروعًا هشًا أمام مجتمع لا يرى إلا المظهر، ويغتال الطموح ببرود، تحت رايات خادعة مثل "اللائق اجتماعيًا".

الصدفة المؤلمة: التشابه بين الدراما والواقع

ما يزيد من مرارة هذا الواقع هو التشابه بين شريف نصار ومؤمن الصاوي، مما يجعلنا نشعر وكأن الحياة والدراما تتداخلان، وتشتركان في كتابة  سطر واحد من المأساة، كلا من مؤمن وشريف نصار ينحدران من نفس السياق المجتمعي الصعب، كلاهما دفع ثمن حلم غير تقليدي في مجتمع يرفض الاختلاف والتميز ويسحق المواهب ويتمسك بقوالب ظالمة مظهرية  عفا عليها الزمن.

"الملك" في الدراما والواقع: من يمثل الملوك في حياتنا؟

شخصية "الملك" (رياض الخولي) الذي قتل مؤمن ، ، قال لمحقق البوليس : "(مؤمن كان محتاج يموت.. لأنه مسكين، حتي  لو عاش، كان هيتأذى أوى ويتعب أوى فى الحياة)

ثم يدلي بحكمة مأساوية ( أخطر أنواع الحياة أن تعيش بحلم لا تستطيع تحقيقه)، هذه الحكمة تلخص ببساطة معاناة آلاف الأشخاص الذين يحملون أحلاما أكبر من قدرة المجتمع على احتضانها.

المجتمع الذي يقتل الأحلام: هل نحن نعيش في "قهوة المحطة"؟

المجتمع في "قهوة المحطة" ليس مجرد خلفية درامية، بل هو شخصية فاعلة تؤثر في كل من "مؤمن" و"الملك" وبقية الشخصيات، المجتمع في المسلسل يعكس واقعا قاسيا يحارب فيه الشخص الذي يطمح للتميز ويسعى وراء حلم غير تقليدي. هذا الصراع ليس مجرد قصة درامية، بل هو مرآة لواقع يعيش فيه العديد من الأشخاص في المجتمع الحقيقي. مثلما تحطم حلم مؤمن بسبب القسوة الاجتماعية، تحطم حلم شريف نصار أيضًا بسبب مناخ مجتمعي غير مهيأ للاحتفاء بالمختلفين وطريقة أدائهم . وهذا ما حدث في مشهد (الأوديشن) حين تعرض مؤمن للتنمر بسبب لغته الريفية وملابسه البسيطة وشكله المختلف. تم السخرية منه فقط لأنه لم يتحدث باللهجة القاهرية أو لأنه لم يبد "مناسبًا" للصورة النمطية للممثل.

هذا المشهد البسيط يحمل داخله نقدا اجتماعيا مريرا: كيف تتحول اللغة والملابس والمظهر إلى أدوات للتنمر، بدلاً من أن تكون جزءًا من تنوع إنساني طبيعي.؟

الخذلان والتجاهل: الملوك في الواقع

الملوك في الواقع ليسوا فقط أولئك الذين يتربعون على عروش السلطة، بل هم أولئك الذين يقفون وراء القرارات التي تسهم في قتل الأحلام، سواء عبر حرمان الأفراد من الفرص أو من التقدير، هؤلاء "الملوك" يمكن أن يكونوا أفرادا عاديين في المجتمع، مثل المدراء، المسؤولين، أو حتى أفراد العائلة الذين يستهزئون بالخيارات غير التقليدية. هؤلاء الملوك يقتلون الأحلام بطرق غير ظاهرة، عبر التجاهل و السخرية، أو حتى الإهمال، مما يعكس القسوة الاجتماعية التي تحاصر الأفراد الطامحين. قد يكونون أي شخص يستهزئ بحلم مختلف، يسخر من لغة ريفية، أو يهمش طموح شاب بسيط. هؤلاء الذين يقفون موقف المتفرج، أو يطلقون الأحكام السريعة، يسهمون جميعًا في بناء مجتمع قاتل للأحلام دون أن يشعروا.

في "قهوة المحطة" يعكس الكاتب عبد الرحيم كمال الفجوة بين الطموحات الفردية وغياب المناخ الإجتماعي الملائم لنمو وتحقق هذه الأحلام، هل يمكن قراءة العمل علي انه يمثل إدانة للمجتمعات العربية عبر استخدام شخصية "الملك"، التي تمثل النظام الاجتماعي القاسي الذي يستهزئ بالاختلافات ويقمع الأحلام؟

كيف تنتهي الأحلام في "قهوة المحطة"؟

الدراما ليست هروبا من الواقع، بل عودة مؤلمة إليه. في "قهوة المحطة"، لا يموت مؤمن الصاوي فقط، بل يبعث كل يوم في وجه شاب يحاول أن يحلم وسط الضجيج. وفي رحيل شريف نصار، لا يخبو نجم واحد، بل يخفت صوت كان يحاول أن ينير وسط العتمة. كم من مؤمن وشريف يقتلهم المجتمع كل يوم، لا برصاصة، بل بكلمة؟

يكمن نداء صامت لكل منا "لا تقتل حلمًا، لا تسخر من أمل، لا تستهن باختلاف"

"كم من مؤمن الصاوي وشريف نصار يقتل يوميا، دون أن نشعر؟"
---------------------------
بقلم: إيمان النقادي

مقالات اخرى للكاتب

موت الأحلام بين دراما الشاشة وواقع المجتمع