08 - 05 - 2025

يسري حسان صانع الكوادر النقدية.. متى يتم تكريمه؟!

يسري حسان صانع الكوادر النقدية.. متى يتم تكريمه؟!

في كل حقل، هناك من يحترفون إضاءة الطريق للآخرين من دون أن يطلبوا الأضواء، يسيرون بخطى هادئة وثابتة، ويتركون وراءهم أثرًا لا يُمحى. الكاتب والشاعر والناقد والمؤلف المسرحي والصحفي يسري حسان، هو واحد من هؤلاء؛ من تلك الشخصيات الفاعلة المضيئة في كل الحقول المعرفية التي تعمل بها، ويستمر في تقديم إسهامات قيمة على مدى السنوات.

يسري حسان رجل دؤوب، وأظن أن هذه اللفظة تعبر أشد التعبير عنه، وهذا ما عرفته ولمسته بصدق من خلال معرفتي، يعكف على عمله بكل إخلاص وتفان، ويُعتبر من أبرز الأسماء التي ساهمت في إثراء الحياة النقدية والفكرية في مصر. يركز على الأثر طويل المدى؛ فلا يقتصر دوره على ما يقدمه من إبداع ونقد؛ بل يمتد إلى دوره المحوري في صناعة الكوادر الثقافية. 

ومن يتأمل خريطة النقد المسرحي في العقود الأخيرة، يظهر له هذا الأمر بوضوح؛ فإن عددًا كبيرًا من النقاد والمبدعين الذين أصبح لهم حضور راسخ في هذا المجال، يرجع الفضل في انطلاقتهم ودعمهم إلى يسري حسان، فقد وفّر لهم الفرص من خلال رئاسته لمجلة مسرحنا، أو عبر رئاسة تحريره لنشرات المهرجانات المسرحية، التي حولها إلى منصات حقيقية لاكتشاف المواهب النقدية الجديدة، بعيدًا عن التحزبات الضيقة أو "الشِلل" الثقافية.

ما يميز حسان في هذا السياق هو حرصه على منح الفرصة للوجوه الشابة، دون أن تكون هناك معرفة سابقة؛ بل يكفيه أن يستشعر فيهم الموهبة، أو الجدية في التناول. ليس هذا فحسب؛ بل كثيرًا ما يراهن على ما يمكن أن يقدموه في المستقبل، وليس فقط على مستواهم الحالي، وغالبًا ما يكسب هذا الرهان، إذ يشتد عود هؤلاء الشباب ويتكرس حضورهم بمرور الوقت، من خلال الممارسة والانخراط في الكتابة النقدية، دون أن يبخل عليهم بالنصح والإرشاد.

الدول التي تمتلك شخصيات ثقافية مثل يسري حسان، في ظني، محظوظة جدًّا، وفي ظني أن مصر من هذه الدول المحظوظة بوجود كادر ثقافي مثله، يسهم في تجديد الحياة الثقافية، ويبرز الوجه الجميل للثقافة المصرية، فالعديد من الأقلام التي بدأت معه في نشرات محلية مصرية، أصبح لها حضور قوي في الصحف والمجلات العربية الكبرى؛ وهذا يرجع إلى الدور الحيوي الذي لعبه حسان في رعاية هذه الأقلام.

أكثر الجوانب التي تعجبني في عمل يسري حسان، أود أن أسلط عليها الضوء هنا، هو حرصه المستمر على تجديد دماء النقد المسرحي، حيث لا يتعامل مع النشرات التي يتولى الإشراف عليها كمجرد توزيع للأدوار التقليدية؛ بل يسعى دائمًا لإعطاء الفرصة للأصوات الجديدة والمبدعة. هو يؤمن أن الثقافة لا تزدهر إلا من خلال التجريب، وأن التكرار لا يمكن أن يسهم في تقدم أي حقل ثقافي. وعلى الرغم من محدودية العائد المادي من النشرات المسرحية التابعة للمهرجانات، استطاع حسان بما يمتلكه من كاريزما ثقافية، وإيمان حقيقي بالرسالة، أن يقنع نقادًا كبارًا بالمشاركة في هذه النشرات، مؤمنًا أن القيمة لا تُقاس دائمًا بما يُدفع؛ بل بما يُقدَّم من وعي، وخبرة، وكتابة مسؤولة. بل بات هناك سعي من النقاد، والكتّاب المكرّسين، للكتابة في النشرات التي يتولى يسري حسان رئاسة تحريرها؛ لما تضيفه شخصيته من ثقل واعتبار لتلك النشرات، التي أصبحت بفضل حضوره وحسن إدارته، منصات ذائعة الصيت، تحظى بمتابعة وقراءة واسعة في مختلف الأوساط الثقافية والمسرحية.

يسري حسان أكثر من مجرد ناقد أو كاتب؛ شخصية ثقافية جامعة، تسعى لبناء المستقبل الثقافي من خلال تأصيل النقد المسرحي، وبناء أجيال جديدة من النقاد والمبدعين. إضافة إلى ذلك، لعب دورًا كبيرًا في التصدي للعديد من المفاهيم المغلوطة حول النقد المسرحي في مصر، خاصة في مواجهته لأحد التصريحات التي قللت من وجود النقد المسرحي المصري؛ ليُثبت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن الساحة النقدية المصرية تزخر بالعديد من الأسماء المبدعة والفاعلة، في موقفٍ شجاع، كلّفه فقدان أحد المناصب التي كان يتولاها، غير آبهٍ بالتبعات، مما يكشف عن روح ثورية يمتلكها، لا تساوم على الحق، وترفض الظلم، وتنتصر دومًا لقيم الإبداع، والعدالة الثقافية.

يسخر يسري حسان من وصوله إلى عمر الستين، رافضًا أن يعامل معاملة من هم على سن التقاعد، ويحق له هذا؛ بما يمتلكه من روح شابة، بل إنها روح - أدعو الله أن يديمها عليه - لا تتوفر لدى من هم في سن الشباب، بأن يسافر خصيصًا لمتابعة العروض المسرحية، في مختلف المناطق المصرية، مُبشرًا بالعروض المسرحية الجيدة، ويكتب عنها لتسليط الضوء على نماذج إبداعية. 

لذلك يستحق يسري حسان التكريم والتقدير، على ما قدمه ويقدمه في إثراء الساحة الثقافية؛ من خلال إبداعه، وأثره الوظيفي، فهو ليس فقط ناقدًا أو كاتبًا؛ بل هو أيقونة ثقافية تمثل أسمى معاني العطاء الفكري والفني.
-------------------
بقلم: د. عبدالكريم الحجراوي

مقالات اخرى للكاتب

يسري حسان صانع الكوادر النقدية.. متى يتم تكريمه؟!