06 - 05 - 2025

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه

لا أحد ينكر حجم الظلم الذى وقع على ملاك العقارات على مدار عقود .. لا أحد ينكر حجم المعاناة التي واجهها هؤلاء الذين استثمروا أموالهم في شراء عقار أملا في تحسين ظروفهم المعيشية وضمان لمصدر رزق يواجهون به الظروف الصعبة ويعينهم على حياة أفضل. لكن للأسف لم يتحقق لهم ما أرادوا بعدما تجمدت قيم الإيجارات، وتحولت إلى فتات يلقيه المستأجرون كل شهر غير مبالين بحجم المعاناة التي يتحملها الملاك بعدما شعروا أنهم أصبحوا غرباء عن أملاكهم بعدما شاركهم فيها المستأجرون بوضع اليد وضعف الإيجارات وتوريثها للأبناء والأحفاد.

حالة الظلم تلك دفعت بعض الملاك لبيع عقاراتهم بعدما فقدت قيمتها ودورها وأهميتها كمصدر للدخل والأمان وتحسين المعيشة ..

طاقات نور ظهرت بين الحين والآخر عن مشاريع قوانين تعيد الحق للملاك، لكنها للأسف خبت، بعدما ظلت تلك المشاريع حبرا على ورق تجمدت في ثلاجات الإهمال والنسيان.

لكن الأمل عاد بقوة مع مشروع قانون جديد للإيجار القديم طرحته الحكومة وتلقفته قلوب الملاك بالترحاب والبشر والتفاؤل بإعادة ميزان العدالة المختل لصالح المستأجرين.

وكعادتها دوما لاتكمل معنا الحكومة جميلها، وكثيرا ماتكمن ألسنة اللهب تحت قراراتها وقوانينها لتحرق البعض بلا رحمة. هذا بالظبط ماحدث في قانون الإيجار القديم الذى جاءت بعض مواده مفخخة تهدد المستأجرين بالطرد، وتزيد من تخوفهم بأن الشارع سيكون في إنتظارهم في حالة تطبيق هذا القانون.

لم تكن التخوفات مبالغا فيها أو غير حقيقية .زلكنها منطقية ومشروعة.

فالمادة(2) من مشروع القانون تنص على زيادة القيمة الإيجارية للأماكن المؤجرة لغرض السكن عشرين مثل القيمة الإيجارية السارية على ألا تقل القيمة المستحقة شهريا عن مبلغ ألف جنيه للوحدات الكائنة في المدن والأحياء وعن مبلغ 500 جنيه عن الوحدات الكائنة في القرى .

وإذا كانت هذه المبالغ تبدو بسيطة ويستطيع تحملها بسهولة البعض فإن هناك ملايين يصعب عليهم ذلك في ظل الغلاء وتدنى مستوى المعيشة، خاصة في الأحياء الفقيرة والأرياف .

وإذا سلمنا جدلا بتحمل المستأجرين تلك الزيادة عن طيب خاطر، أو شدا لمزيد من الأحزمة على البطون التي تتضور جوعا، تبقى المادة الأخطر في القانون التي تحمل رقم (8) والتي تنص على إنهاء ""عقود إيجار الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون بإنتهاء مدة خمس سنوات من تاريخ العمل به ما لم يتم التراضى على الإنهاء قبل ذلك ..

يعنى ببساطة سيجد ملايين المستأجرين أنفسهم في الشارع بعد خمس سنوات وربما أقل وكله بالتراضى !!

والسؤال هنا، هل قامت الحكومة برصد حالة هؤلاء المستأجرين قبل أن تقدم بجسارة غير محمودة العواقب على سن هذا القانون المفخخ !! هل قامت بدراسة وضعهم المالى والإجتماعى وإطمأنت على قدرتهم على توفير مسكن بديل!! هل قدرت أعداد المسنين وأصحاب المعاشات الذين يكملون حياتهم في ضيق لضعف مايتلقونه من معاشات لا تسد احتياجاتهم الأساسية؟ فما بالنا بالأمراض التي تلاحقهم ويعجزن عن شراء ماتتطلبه من علاج!! هل قدرت حجم المعاناة التي تتربص بهم إذا مامد الله في أعمارهم سنوات قادمة يضطرون وهم في أخر العمر للبحث عن سكن بديل !!

وعلى جانب آخر، هل فكر المشرع لحظة في حال أسرة دبرت حالها بصعوبة لتحصل على سكن في منطقة راقية لتفاجأ بعد سنوات بإجبارها على سكن بديل لا يتناسب مع مستواها وطموحها الإجتماعى !!

صحيح أن المادة (7) منحت المستأجرين التي تنتهى عقودهم الأولوية في الحصول على وحدات سكنية إيجارا أو تمليكا من الوحدات المتاحة للدولة لكن يبقى السؤال: هل قدرت الحكومة أعداد الشقق التي اقترحتها كبديل لهؤلاء المستأجرين وتأكدت من أعدادها المتناسبة مع ملايين المستأجرين!! ومدى قبولهم لها!! والأهم مدى قدرتهم على تحمل تكاليفها إيجارا كانت أم تمليكا !!

تجاهلت الحكومة كل ذلك، ولا أعرف كيف أقدمت بكل جسارة وثقة على طرح هذا القانون المجحف المهدد للأمن الإجتماعى المثير للأزمات في وقت يئن فيه الجميع من ضيق العيش والغلاء.

الغريب أن القانون الجديد نص على إنشاء بوابة إلكترونية لتلقى طلبات المستأجرين للحصول على شقق الدولة خلال 3 اشهر من تاريخ عمل البوابة، في الوقت الذى أغفلت فيه الحكومة رصد حالة هؤلاء المستأجرين وظروفهم المعيشية والإجتماعية قبل الإقدام على قانون يهددهم بالطرد ويقلب حياتهم راسا على عقب!!

رغم الخطر الذى يفجره قانون الإيجار المفخخ، يبقى الأمل في تعديله من قبل نواب الشعب قبل إقراره .. وإن كانت كافة السوابق لا تجعلنا نعلق كثيرا على نواب لم ينحازوا في أغلب القرارات للشعب، لكن ما بيدنا من حيلة سوى ترقب ماتسفر عنه جلسات البرلمان التي تواصل مناقشة القانون حتى التاسع عشر من هذا الشهر .

مايبث فينا قليلا من الطمأنينة ردود أفعال بعض النواب التي اعترضت على القانون ووصفته بكرة اللهب وإفتقاره للدراسات الاقتصادية والإجتمناعية وإفتقاده لأية بيانات حول الآثار المتوقعة لتطبيق المادة الخامسة الخاصة بتحرير عقود الإيجار بعد خمس سنوات، وعدم تحديد آليات واضحة لتنفيذ وتمويل الشقق البديلة .

تخوف المستأجرين والنواب لم يقلل منه بالطبع تصريحات الحكومة بأن لا أحد سيترك في الشارع، وعدم إخلاء أي وحدة إلا بعد توفير السكن البديل لأصحابها .

وعود الحكومة دوما محل شك وعدم ثقة، فلم تقدم يوما ما يثبت انحيازها للشعب وتخفيفا لمعاناته.. فهل تصدق هذه المرة!! أشك.
-----------------------------------
بقلم: هالة فؤاد


مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه