05 - 05 - 2025

ضوء | الحركة الصهيونية (١)

ضوء | الحركة الصهيونية (١)

الكاتب المتميز محمد الماغوط في عام ١٩٨٧، كتب بسخريته الواقعية المعهودة يقول: " كيف أوقظ الأمة العربية من سباتها؟ كيف أُقنع الأمة أن أحلام إسرائيل أطول من حدودها؟ فهي لو أُعطيت اليوم جنوب لبنان طوعاً لطالبت بشماله لحماية أمنها في الجنوب، ولو أُعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا لحماية أمنها في لبنان، ولو أُعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا، ولو أُعطيت كل أوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها، ولو أُعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي!"

وهذا بالضبط ما حدث ويحدث في كل لحظة، فمنذ تأسيس هذا الكيان الصهيوني الغاصب عام ١٩٤٨ حتى اللحظة، وهو يتبع السياسة نفسها، والتسلسل التاريخي للاغتصاب كالتالي:

- تشكلت الحركة الصهيونية في نهايات القرن التاسع عشر في أوروبا، وهي حركة سياسية رأسمالية عنصرية، استغلت الدين اليهودي لاستقطاب اليهود من كل الدول، ودُعمّت من الحركة الإمبريالية العالمية ولا تزال.

- في عام ١٩٤٨ تم احتلال الجزء الأكبر من فلسطين، وإقامة دولة اسرائيل، بعد طرد الفلسطينيين بالقوة، ومن خلال مذابح كثيرة وتواطؤ الدول العظمى.

- ١٩٦٧ تم احتلال الجولان السوري وسيناء المصرية وبقية فلسطين بعد الهزيمة، كما احتل الصهاينة جزء من أراضي الأردن، وأغرقتها بالمستوطنات والمستعمرات، التي صادرتها من أراضي الضفة الغربية، ومنذ سنين يوجد مشروع لضمها، وتسميها يهودا والسامرة، وهي أسماء ممالك يهودية قامت في فلسطين منذ  2000 عام ولم تعش طويلًا.

- ١٩٧٣ بقي الجولان السوري تحت الاحتلال الصهيوني.

- ١٩٧٨ اجتياح جنوب لبنان والسيطرة على الجنوب من قوات العميل لحد.

- ١٩٨٢ اجتياح لبنان وحصار بيروت ورحيل منظمة التحرير عن لبنان.

- في عام ٢٠٠٠ انسحب الصهاينة من جنوب لبنان، وتم تفكيك جيش لحد، وبقيت مزارع شبعا وكفر شوبا تحت الاحتلال.

- ٢٠١٨ و ٢٠١٩ ضم القدس والجولان، واستمر القصف الصهيوني على الأراضي السورية.

- ٢٠١٩ عودة الأراضي الأردنية المؤجرة إلى الأردن، وهي أراضي الباقورة والغمر التي احتلت في عام ١٩٦٧، وبقيت من الأسرار حتى انكشفت في اتفاقية وادي عربة ١٩٩٤، والتي تم تأجيرها لمدة ٢٥ سنة.

- ٢٠٢٠ القرار بضم الأغوار الشمالية، والمستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية.

ومن المفيد العودة إلى صك الانتداب البريطاني على فلسطين، وتعريف حدود فلسطين في الصك، هذه الحدود هي كل الأراضي من البحر إلى النهر حتى حدود العراق، وبذلك يصبح تعريف الصهيونية بناء على وعد بلفور، بأن أرض فلسطين تعني كل ما ورد في صك الانتداب، وتعمل على تطبيق هذه الرؤيا، وهم يعتبرون أن ما تم إنجازه هو الجزء الأول من وعد بلفور، والأردن الآن فعليا في مرمى الخطر.

من الواضح إن احتلال الصهاينة لفلسطين جاء على أساس استغلال الدين اليهودي واليهود، ويستندون إلى نصوص توراتية ليس لها أساس علمي، بالإضافة إلى أنه غير معروف حتى الآن النسخة الصحيحة للتوراة، وحتى التوراة التي يعتمدون عليها مليئة بالقصص التي تتحدث عن معاركهم مع العرب  الكنعانين، والتي تعود جذور الشعب الفلسطيني إليه، بل ويرد بالتوراة إن فلسطين أرض شعب كنعان.

الحركة الصهيونية هي من أوجد الأمة اليهودية، وهذا أيضا خطأ علمي، فالأمم تقوم على أساس عرقي وليس دينيا. وهذا هو أساس ادعائهم، أما الحفاظ على أمنهم، فهذه حجة لذرّ الرماد في العيون، ومن أجل الرأي العام العالمي، فهم يسوّقون أنفسهم بأنهم شعب متحضر ومسالم،  يحمل الحضارة الأوروبية في وسط محيط من العرب الهمج المتخلفين الذين يحاولون تدمير هذه البقعة المتحضرة! ودائماً المعتدي والمغتصب الإرهابي يصوّر نفسه ضحية.

يقول الماغوط: "كيف أثير نخوة الأمة وغضبها ومخاوفها؟ هل أضع على وجهي قناعاً يظهر سنتي (بيغن) الأماميتين المشؤومتين، وأضع عصابة سوداء على عيني مثل (موشي ديان) وأرعب الأطفال في الليل؟ هل أعرض في الساحات صوراً شعاعية لما يعتمل في صدور شارون وبيريز من حقد وضغينة على هذه الأمة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟".

وبالطبع تعلمت قيادة الصهيونية استبعاد القيادات القبيحة الشكل أمثال (جولدامائير وبيغن)، واستبدلتهم بوجوه الحملان، لكي تُخبيء الذئب في وجه الحمل الوديع، كما هو عليه (النتن ياهو).

كتب الماغوط مقاله في عام 1987، وقبل أن يرى الذُلّ والقهر والجوع والدمار في أرض العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان وغزة والضفة وغيرها.

وللعلم كان عدد الدول العربية قبل عام ٤٨ تسع دول فقط، عندما كانت تسمى وادي العرب وتشمل سوريا والجزيرة العربية الكبرى، وأصبح عددها الآن ٢٢ دولة، والسبحة مستمرة في الفرط، فهل تريد الأنظمة العربية أن يصبح عددها بعد عشرين سنة أكثر من أربعين دولة؟
------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الاوروبية للتنمية والسلام


مقالات اخرى للكاتب

ضوء | الحركة الصهيونية (١)