ضجت صفحات الفيسبوك بالتعليق على مقطع صوتي للزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر خلال اجتماعه مع العقيد معمر القذافي في أغسطس 1970.. وفيديو أخر تحت عنوان "لقاء الرئيس جمال عبد الناصر بالمصريين المبعوثين بالخارج لنيل درجات الماجستير والدكتوراة في شتى التخصصات في 16 مايو 1970".
الزعيم خالد الذكر في لقاء المبعوثين قال " هل العالم العربي هيحارب واللا هيحارب لأخر جندي مصري؟ هذا هو السؤال، نحن نتكلم عن الحل السلمي وهناك دولتان تقولان إنه استسلام.. ماذا أنتم فاعلون وما هي مجهوداتكم؟، هناك مجهودات، ولكنها متواضعة.. مين اللي بيحارب؟، أحنا اللي بنحارب بنقول عايزين الحلم السلمي.. طبعاً أحنا ولادنا بالقوات المسلحة وأولادنا هما اللي بيموتوا، وهما اللي بيحاربوا".
الزعيم تطرق أيضاً إلى أن الجيش المصري قوامه 560 ألف فرد، مما يعني أن كل عيلة أو عائلتين لهما فرد بالقوات المسلحة، موضحاً أنه لا يوجد تسريح للاحتياط حتى القضاء على العدوان.. ولفت الزعيم عن تأييده وترحيبه بالمبادرة التي طرحها العقيد معمر القذافي لتوحيد العرب لخوض المعركة ضد الكيان الصهيوني، لأنها معركة فرضت علينا، والحرب حتمية لأننا أمام أمرين إما أن نزيل العدوان أو يزيلنا العدوان، وبالتالي لو هناك فرصة للسلام لماذا نتركها.
البعض رأى أهمية ذلك الجزء أنه رداً على الجهلاء الذين يعتقدون أن عبد الناصر فضل العرب على مصر، وورطنا في مشاكل بسببهم.. لافتين إلى أن عبد الناصر أمم القناة لمصر وبنى السد العالي في مصر وأقام أكبر قاعدة صناعية وقطاع عام في العالم الثالث في مصر، وانجازاته الاجتماعية والصحية والاقتصادية استفاد منها المصريين..
في حديث 16 مايو 1970، تحدث عبد الناصر في كل القضايا الداخلية والخارجية، لافتاً إلى مطالبته للرئيس الأمريكي نيكسون في خطابه يوم 1 مايو 1970 خلال الاحتفال بعيد العمال، بإيقاف الدعم الأمريكي لإسرائيل أو بالتدخل لجعلها تنسحب من كل الأراضي العربية المحتلة في عام ١٩٦٧ وحل القضية الفلسطينية، محذراً من أن استمرار دعم واشنطن لإسرائيل سيجعل كل الشعوب العربية تعادي أمريكا.
أما المقطع الصوتي للزعيم والعقيد، والذي حدث في أغسطس 1970، أي بعد لقاء المبعوثين للخارج، وبعد مبادرة روجرز، ركز على الجزء الذي يقول فيه عبد الناصر إن العرب يريدون الحرب لأخر جندي مصري، وأنه على استعداد لدفع 50 مليون جنيه للعراق وسوريا والجزائر واليمن الجنوبية وعرفات لخوض الحرب..
المسؤول السياسي بجبهة النضال الوطنى الليبية أحمد قذاف الدم، قال في حديثه لقناة العربية الحدث" التسجيلات موجودة والحوار كان طويلاً وأجتزئ لإثارة ضجة ضد عبد الناصر، لقد تركوا كل شيء وتم تصوير الأمر وكأنه ضد الحرب ويريد السلام، وأنه لم يكن مهتما بتحرير فلسطين، والحقيقة ـ والحديث لازال لقذاف الدم المعروف بقربه من الدائرة الضيقة للعقيد معمر القذافي ـ أن عبد الناصر كان مستاءً من موقف العرب، خاصة بعد الهجوم عليه لقبوله مبادرة روجرز نتيجة للغيرة أو الانتقام منه، ومزايدة على عبد الناصر..
قذاف الدم أوضح أن عبد الناصر وافق على مبادرة العقيد معمر القذافي، واتفق معه على ذهاب معمر للجبهة الشمالية، وذلك مذكور في مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي، بقيام معمر بجولة بالبلدان العربية لمعرفة ماذا تستطيع أن تقدم كل دولة عربية، لافتاً أن عبد الناصر كان يستعد للحرب وطلب من ليبيا شراء طائرات وزوارق حربية، وقبل مبادرة روجرز لتجهيز الجيش لمعرفته أن المعركة تقف خلفها أمريكا، وتحتاج لموقف عربي موحد.
كثير من المحللين أكدوا، أن الحل السلمي الذي يقصده عبد الناصر هنا هو حل شامل لكل مشكلة فلسطين يتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 بالكامل وليس الحل الجزئي الذي قبله السادات بعد الإنجاز العسكري الهائل في حرب أكتوبر 1973، خاصة وأن الحل السلمي المنفرد بعودة سيناء فقط كان معروضا على عبد الناصر منذ نهاية عام 1967 ومن يريد أن يسمع عبد الناصر بذاته يتحدث عن ذلك فليشاهد خطابه في 25 أبريل 1968.
ومن بين هؤلاء الكاتب الصحفي الأردني رئيس تحرير صحيفة "العربي الجديد" معن البياري، الذي أوضح في مقاله "لمّا قبل عبد الناصر مبادرة روجرز" أن عبد الناصر أراد، بموافقته على المبادرة الأميركية التي ماتت بعد شهور، كسب وقتٍ يُعينه في تمتين قدرات مصر العسكرية، الهجومية والدفاعية، ببناء حائط الصواريخ وتدريب الجيش على طيرانٍ وسلاحٍ سوفييتيين جديديْن، يعنينا من مؤدّى التسريب أن عبد الناصر لم يُفضِ للقذافي باستسلام، أو رغبةٍ في تطبيع، أو تفريطٍ بأرض، أو تنازلٍ عن حقوقٍ مصريةٍ أو فلسطينية، وإنما أدلى بعدم إرادته الحرب، لمعرفته عواقبَها، ودرايته، بشروطِها غير الناجزة لديه، فإذا كان لدى الآخرين، نظامي "البعث" في العراق وسورية، ورئيسي اليمن الجنوبي والجزائر، وياسر عرفات وجورج حبش، فليُحاربوا..
البياري أكد أن عبد الناصر لم يقترف ما يُخرجه من مربّع الثوار الصناديد إلى دائرة المفرّطين. وإذا استطابت أقلامٌ ومنابرُ ومنصّاتٌ وتلفزاتٌ عربية لا تضيّع وقتاً في إشاعة ثقافة نبذ فكرة المقاومة، والتبشير بإسرائيل التي في الوسع أن تكون وديعةً، لو جنحْنا، نحن العرب، إلى مهادنتها، إذا استطابت أن تأخذ الزعيم الراحل إلى "واقعيّتهم"، أصحاب رؤى سديدةٍ في معالجة أمر إسرائيل والصراع معها، فلن ينفع معهم هذا، ليس فقط لأن أجزاء أخرى من دردشته مع القذّافي، وتسريباتٍ أخرى لأحاديث له، لا تأخُذ الرجل إلى الحيّز الذي ابتهجوا به، وهم يكتشفون أن صاحب "ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ إلا بالقوّة" يقيم فيه، وإنما أيضاً لأن هذا الزعيم كان واقعيّاً من قماشةٍ أخرى. لم يكن يريد عداءً مع الولايات المتحدة، هو الذي أراد سلاحاً منها، فامتنعت، فصارت صفقة الأسلحة التشيكية في 1955. وأراد منها مساعدة مصر في تمويل بناء السد العالي فامتنعَت، بل حاربت هذا المشروع، فلبّى السوفييت ما طلبه منهم. وهذا لا يعني، في كل الأحوال، أن نخلع عنه رِداءَه صاحب مشروع تحرّري أممي ذي نزوع استقلالي لبلاده وغيرها في أفريقيا وآسيا.
ليست القصّة أبداً في الموضع الذي ذهبت إليه الزفّة التي ذاعت بعد التسريب المُجتزأ من قعدةٍ قبل 55 عاماً، وأريد منها "تكييف" عبد الناصر في خانة من يسلّمون بمماشاة إسرائيل والقعود عن مواجهتها. إنما القصّة أن حاكماً عربيّاً استثنائيّاً في توطّن شعوره بالزّعامة، لا في بلده فقط، وإنما بين أمّته، لا يجوز لأحدٍ أن يخدش هيبتَه، وليس لرئيسٍ أو قائد فصيلٍ في أي بلدٍ عربيٍّ أن "يُزاود" عليه، في أمر الحرب أو غيرِها.