خارجا من خناقة معه، لعدم منحي تميزا أرى نفسي استحقه بالإعفاء من غرامة تأخير دفع قسط مدينة الصحفيين، استغربت رد فعله الهادئ على صوتي المرتفع الذي تجاوز حد اللياقة.
ففي قلب مكتبه أحدثت جلبة وصياحا، أتى على إثره عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، منهم: الأستاذ هشام يونس، ومحمود كامل، خرجت غاضبا، ثائرا، مطالبا بالمساواة على الجميع؛ متوعدا إذا ما اكتشفت مخالفة، بفضيحة المجلس كله.
تقبلني الأستاذ خالد البلشي، هذا الذي يشبهنا كثيرا في طولة باله وصبره على تجاوز الزملاء، وطولة لسانهم.
لم يجعل من مكتبه برجا عاجيا يغلقه على نفسه؛ ولا من فترة رئاسته لمجلس النقابة مغنما له؛ أو شبحا بتكوين هيئة مكتب؛ وهي السنة السيئة التي سنها أحد النقباء السابقين فأغنى بها عن اجتماع المجلس ومناكفاته.
خالد البلشي مقاتل شرس ومفاوض محنك خبرته الأيام والعمل في صفوف المعارضة بعيدا عن حضن السلطة المكيف، فكان مثلنا مغبرا بتراب الشوارع وما تبقى من حبر المطابع
يشبهنا تماما في أحلامنا وهيئتنا وحديثه، فالرجل هين لين تلقاه حين تريد؛ وتتحدث إليه متى شئت؛ ولو كان مشغولا يعود إليك بالاتصال؛ ولا يتحدث من عل كأنه مندوب السماء إليك، ملقيا بكلماته سريعا ثم يغلق الخط، وكأنه أصدر الأوامر وعليك التنفيذ.
أتى البلشي؛ وكأنه جملة اعتراضية على وأد الصحافة؛ وتكفين النقابة في صمت؛ فأزال عنها الغبار، ومحى الكفن، وفتح أبوابها محاولا ضخ الأكسجين مرة أخرى في الشرايين؛ عسى أن تدب الروح في جسد النقابة ثم الصحافة.
فاوض البلشي السلطة وأتي للصحفيين بمكتسبات ورفع البدل الذي وعد به الزميل خالد ميري المرشح السابق وأثبت أنه رجل دولة ونقابي متمرس، لم يضع النقابة في مواجهة قاصمة مع السلطة ولم يسلم مفاتيح النقابة لأحد.
أتى مجلس البلشي كأنه انتقاه بنفسه؛ مجموعة متعاونة، بلا صدام أو استعلاء؛ يحترمون نقيبهم؛ لأنه اختيار الجمعية العمومية؛ وليس مفروضا بالأمر المباشر أو بسلطة السلطان.
لم يتعال عليهم فكان آداء غالبية الأعضاء على قدر من التميز؛ كالأساتذة جمال عبد الرحيم، وهشام يونس، ومحمد خراجة، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمد الجارحي ومحمود كامل، وليغفر لي من نسيت اسمه.
يبقى من خارج دائرة المجلس زملاء كانوا وما زالوا على قدر كبير من التميز والعطاء مثل عمرو بدر، وحماد الرمحي، وإيمان عوف، ويتحدث كثير من الزملاء عن آخرين لم يسعدني الحظ بالتعرف إليهم عن قرب مثل فيولا فهمي وشرين العقاد وخير راغب
لا نذهب بعيدا إذا قلنا: إن البلشي ربما يكن آخر محاولة لإنقاذ ما تبقى من الصحافة والنقابة قبل إهالة التراب عليهما.
نتمنى لكل الزملاء التوفيق في اختياراتهم، وأن يحسنوا الاختيار؛ فما تعانيه الصحافة حاليا؛ وما ينتظرها في قابل الأيام؛ يتوقف تمريره أو إيقافه على حسن اختيار النقيب، وأعضاء المجلس من بعده؛ كي لا تكون هذه آخر معاركنا في عالم الصحافة.
---------------------------------
بقلم: معوض جودة