لو سألوك عن أول فيلم روائي مصري، فكر كثيرا قبل الإجابة عن السؤال، ليس هو زينب، وليس هو أولاد الذوات، وربما كان "ليلى" في حالة اذا كنا نقصد السينما الناطقة 1927، إخراج الأيطالي المولد وابن شبرا الهوى، العبقري استيفان روستي.. وإالبطولة والإنتاج للراقية بهيجة حافظ، الذي أعادت الفيلم بالكامل الذي كان قد أخرجه التركي وداد عرفي، لمجرد أن فيلمها الأول لم يعجب جمهور الإسكندرية.
هذا الأسبوع .. قادتني الصدفة أن أستعيد مع أصدقاء مشاهدة أول فيلم روائي قصير صامت في تاريخ السينما المصرية واتعبني البحث عن أسرة الرائد السينمائي، المصور والمخرج والمنتج والفنان التشكيلي الذي افتتح اللواء محمد نجيب معرضه، محمد بيومي" الرائد الأول للسينما المصرية؛ لأقدم لهم الشكر والتحية ، وبعد بحث مضني وجدتهم يعيشون في هدوء بين الإسكندرية والقاهرة بعيدا عن صخب الفن والميديا، واثنيت أمام الحفيدتين السيدة نادية صدقي والسيدة إنجي، قدمت التحية على روائع محمد بيومي الروائية ومنها هذا الفيلم الجميل "برسوم يبحث عن زظيفة" أول فيلم مصري روائي قصير (1 يناير 1923) أي أن عمره 102 عاما ويزيد، مدة الفيلم 16 دقيقة بطولة (المصري بشارة واكيم) وعادل حميد؛ وأتيحت لي فرصة مشاهدة العمل لمؤلفه ومخرجه الرائد السينمائي محمد بيومي، الفيلم سبق وأن شاهدته في مركز ثقافي شهير بوسط العاصمة؛ ولكني لم أنتبه وقتها أنه يتعرض لقيمة وطنية عظيمة نحرص عليها في مصر وهي التعايش الأخوي الرائع بين مسلمي وأقباط مصر، أتكلم عن أول فيلم مصري صامت عرفته مصر وهو الذي حمل عنوان: "برسوم يبحث عن وظيفة"، البطولة للرائع بشارة واكيم ومعه فنان اختفى تماما فيما بعد هو عادل حميد.
عندما شاهدته للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، كان تركيزي حول قضية البطالة والفقر وقدمها منذ عشرينيات القرن الماضي؛ فالفيلم صور وعرض عام 1923، أي ما يقترب من قرن من الزمان! فيه يبحث بطله "برسوم" ـ عادل حميد ـ عن فرصة عمل في صحيفة "البلاغ" المنتشرة وقتها، وهو في سبيل ذلك يلتقط قصاصات الصحيفة التي تلقي بها ربة منزل من الشرفة، وفي رحلته تلتقي رغبته مع رغبة جاره "الشيخ متولي" ـ بشارة واكيم ـ وهما شخصيتان لمسلم ومسيحي، ونطالع الحوار البسيط للغاية من خلال لافتات مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية؛ أي أنه يخاطب الطبقتين الشعبية والراقية "الإفرنجية"، ويدعوهما شخص ثري من طبقة الباشوات عن طريق الخطأ؛ فهو يتصور أنهما من الأثرياء مثله، بالفعل يدعوهما إلى مائدة عامرة بما لذ وطاب ثم يكتشف حقيقتهما؛ فيتم طردهما! ويخرجان إلى رصيف الشارع ليصيبهما النعاس من فرط التخمة إلى أن يلقي شرطي القبض عليهما للاشتباه فيهما.. هذا الفيلم القصير ـ 15 دقيقة فقط ـ يعد أبلغ عمل فني تناول وحدة المصير والهدف وتقاسم الطعام والحلم المشترك الذي لا فرق فيه بين مسيحي ومسلم.. ألف تحية.. لأبو السينما المصرية محمد محمد بيومي صاحب أول شركة إنتاج سينمائي "أمون فيلم" أ والذي عاش مأساة حجب البصر في أواخر سنوات حياته، ولكنه لم يتوقف عن الرسم والإبداع.. كرموا هذا المبدع "أبو السينما المصرية الحقيقي.
------------------------
بقلم: طاهـر البهـي