لندن / 2 أغسطس ١٩٥٦
كان أعضاء مجلس اللوردات ومجلس العموم البريطاني في إجازة الصيف، وتمّ استدعاؤهم على عجل، وفي جلسة مجلس اللوردات تبارى الأعضاء في الهجوم على مصر وعلى عبد الناصر، بلا فرق بين موالٍ للحزب الحاكم (المحافظ) أو معارض، باستثناء أصواتٍ قليلة بدت تائهةً متّهمةً في ضجيج الصراخ وحالة الهيستريا التي نقلها "أنطوني إيدن" إلى كل بريطانيا، ومن بين تلك الأصوات القليلة (والتي استمرت كذلك حتى النهاية) صوت اللورد "ستانسجيت" الذي وقف بعد ظهر يوم 2 أغسطس محاولًا أن يرسل صوت العقل؛ كي يعيد ذلك الصخب المجنون إلى بعض الحكمة. وكان من بين ما قاله في شكل أسئلة ولكنها في الصميم: "إنني معجب ببلاغة المركيز النبيل وزير الدولة، لقد استمتعت بما قال، ولكنني أتساءل عمّا هو مقدم على عمله. إذا ارتكب رجل جريمة – وأنا لست بمحامٍ، وأرجو أن يتحدث بعض السادة القانونيين من لوردات المجلس اليوم – فأنا أفهم أنَّ هناك ثلاثة أشياء لا بدَّ من وجودها: أولها: أنك يجب أن تكيّف اتهامًا، ثانيًا: أنّه يجب أن يكون لديك محكمة، ثالثًا: أن يكون لديك وسائل لفرض تنفيذ الحكم".
ما هي التهمة؟ إن صديقي النبيل الذي يجلس أمامنا -وهو محامٍ- يقول في أسلوب غامض: إنه يظنّ، ولكنه "لا يريد أن يرهق فخامتكم بالتفاصيل" بأنّ هناك انتهاك ليس للامتياز؛ بل للمعاهدة. الماركيز النبيل، لورد ريدنج، أعطى بعض الدعم لهذه الفكرة. أتمنى لو أنّ أحدًا سوف يخبرنا بشكل دقيق ما هو الانتهاك؟ ربّما ما حدث هو أن هناك إهانة، إهانة عنيفة، ربّما أيضًا هناك الكثير من البروباجندا السيئة بالتأكيد، ولكن لا أستطيع أن أتبين الخطأ القانوني. ولقد قرأت ما قالته الصحف، وهناك في صحيفة The Times هذا الصباح أو بالأمس ما قاله محامٍ "بأنّه من الناحية القانونية لم يفعل الكولونيل ناصر أي شيء ينتهك القانون. هذه هي النقطة الأولى، وأرجو أن يشرح لنا واحد من لوردات القانون هذا الأمر".
وواصل اللورد طرح أسئلته وهو يدور بعينيه في عيون باقي الأعضاء، التي كان بعضها ينظر إليه في ضيق، والبعض الآخر في دهشة، إذ كيف يسمح لنفسه أن يبدو متعاطفًا -ولو من بعيد- مع دولة كانت حتى وقت قريب واحدة من مستعمراتهم؟ وكيف يجرؤ على أن يدافع عن "ديكتاتور" قام بصفع الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس؟ قال اللورد ستانسجيت وكأنه يقرأ عيونهم:
"والسؤال الثاني هو: أمام أي محكمة سوف تضعون هذا الرجل؟ إنكم لن تستطيعوا إحضاره أمام محكمة لاهاي؛ لأنّ ما حدث ليس شأنًا حكوميًّا. لا يمكنكم إحضاره أمام الأمم المتحدة؛ لأنه أمر يخص شركة مصرية. والمحكمة الوحيدة التي يمكن أن يمثل أمامها هي أعلى محكمة مصرية في مصر.
إنني لا أتذكر التفاصيل الآن، ولكن قبل سنوات قليلة كان للحكومة البريطانية نزاع مع شركة القناة، حول ما إذا كان دفع سندات الدين أو الأسهم العادية، يكون بالفرنكات الذهبية أو شيئًا مثل ذلك. إنني لم أفهم ذلك، ولكنّ الحكومة البريطانية أخذت شركة القناة إلى المحاكم المصرية؛ لفضّ النزاع. إنني ربّما أتذكر أننا ربحنا تلك القضية، وبالتالي إذا توجّهنا إلى المحكمة فإنّه -وفقًا لما يمكن أن نستخلصه من المعلومات التي يمكن جمعها- تكون المحكمة الوحيدة التي يمكن أن نلجأ إليها هي محكمة مصرية، وذلك لن يكون ممكنًا إلا بالأسلوب الاستنتاجي الذي أشار إليه صديقي النبيل لتكييف الجريمة".
ويبدو أنّ اللورد النبيل بدأ يشعر بحرارة الأنفاس الغاضبة، التي بدأت تتصاعد في القاعة، وكأنّه أيضًا أحسَّ أنهم سوف ينقضّون عليه بعد أن ينتهي من كلمته طعنًا وتجريحًا؛ ولذا فقد آثر أن يواصل ببعض السخرية المبطنة، يتناول فيها المعايير المزدوجة التي يتعاملون بها:
"إننا جميعًا غاضبون من هذه القضية، كل واحد غاضب منها، لقد تصرف كولونيل ناصر بشكل غير واعٍ. ولكن إذا قرأتم صحيفة The Times قبل فترة بسيطة ماضية، ولستم في حاجة للرجوع كثيرًا في الخلف، سوف تصلون للوقت الذي كان فيه ناصر ذلك "الفتى ذو العيون الزرقاء" عندما قدّمنا له النقود، وعندما فعل ذلك البنك الدولي، وعندما أحسَّ أنّ الظروف كانت شديدة الوطأة.
وربّما ذلك ليس من المهم، ولكن إرساءً للحقيقة أقول لكم أنه سبق لي أن تحدثت معه لمدة ساعة في وقت الكريسماس عند هذه النقطة، وقال لي: "أنا ودود للغاية"، وهو رجل ودود بالفعل – وأنا هنا أتحدث عن الإطار الاجتماعي، وليس عن الإطار الوطني، وإنما في الإطار الشخصي – لقد قال: "إنكم والأمريكيون تعرضون علينا النقود، ولكن تضعون اشتراطات كثيرة مثل: (يجب أن تعقدوا سلامًا مع اليهود)، (يجب أن تتفقوا مع السودان)، و(يجب عليكم أن تفعلوا هذا وذاك)، ولكن عندما يقدم لنا الروس عرضًا فإنهم يقولون ببساطة: (هذا هو المبلغ)".
قلت له: "ألا تدرك أن من الخطورة بمكان أن يكون لديك ارتباط واسع مع الفنيين الروس هنا؟ فمن المحتمل أن يكون من بينهم شيوعيون؛ لأنني أخشى أنّ هناك شيوعيين حتى في الهندسة"، فقال لي: "إنني لا أعرف شيئًا عن الروس، أنا أريد النقود، وأفهم أنّه يمكنني الحصول علي الاثنين".
إنني أفهم أنّ البنك الدولي الذي يقرر المسائل الاقتصادية، ولكن وزارة الخارجية هي التي تقرر المسائل السياسية، والكونجرس هو الذي يقرر وقف مساعدة أجنبية. ولكن فخامتكم تعلمون أنّ الكونجرس في نهاية دورته التشريعية، ومع ذلك فجأة تصدر الخارجية الأمريكية أمرًا: "أنه لا قرض .. لا شيء"، وبالطبع يجب على البريطانيين أن يتبعوا. إذا نظر فخامتكم إلى The times قبل عدة ليالٍ مضت، سوف تجدون مخطوط تصريح مزعوم للسيد شيبلوف (وزير الخارجية السوفييتي) يذكر فيه أنّ القرض ليس (مسألة حياة أو موت)، كيف ضحكنا آنذاك، وفركنا أيادينا، وقلنا: "سوف نعطي درسًا لهذا الولد ناصر"، ثم بعد ذلك، فجأة، حصل (هذا الولد) على القرض، فجأة رفع رأسه، ثم فجأة ضربنا بقوة على أنفنا، إنّه رفع رأسه بالطريقة التي أضرّت بهيبتنا، وأغضبت كل الأمة. هذا هو الوضع كما أفهمه.
وتأمل اللورد النبيل مرة أخري حوله في القاعة، وفكر أن يضيف جرعات من التاريخ قبل أن يستطرد، فقال:
"أريد أن أتوقف هنا وقفة صغيرة هنا، راجيًا من فخامتكم بعض الصبر؛ حتى يمكنكم التعرف على آراء الشعب المصري نفسه. إنني أعرف مصر بشكل جيد جدًّا، لقد كنت هناك أول مرة منذ 53 عامًا مضت، وكنت هناك في مهامٍ رسمية، ودخلت في مفاوضات. كنت ضيفًا على صديقي النبيل لورد كيلرن هناك، وكنت هناك بمهامٍ مختلفة، إنَّ ما ينبغي أن يعرفه هذا البلد (وتلك هي الخدمة الوحيدة التي يمكن أن نقدمها لهذا المجلس، وهي أن نقدم حقائق) هو أن هناك ثورة كاملة حدثت في مصر لمدة مئة عامٍ تقريبًا، كنا نحكم مصر بالمشاركة مع البيت الألباني (أسرة محمد علي) المكروه من الشعب المصري، بعد تردد كبير وسوء فهم بيننا وبين فرنسا، أخذنا في الثمانينيات من القرن الماضي وظيفة المحافظة على استقرار النظام الحاكم. لم يكن الحكام يعجبون بنا؛ ولكنهم كانوا سعداء بشكل كافٍ لوجودنا هناك. لقد كنت هناك لمدة خمسة أو ستة شهور في 1946 أتفاوض مع الملك فاروق. لم أكن أظنّ حقيقةً أنه يريد منا أن نغادر القناة بأي شكل؛ لأننا كنّا نحن العمود الفقري.
لقد كان إسماعيل (الخديوي) من الناحية المالية - كما نعرف جميعًا - فاشلًا من الطراز الأول، كان الناس يقرضون مصر بمعدّلات مجنونة، وكانت تتبخر، أو تنفق في الدفع إلى السلطان؛ كي يوسع له في امتيازاته في منصب الباشا. وفي النهاية قمنا باغتراف نصيبنا، ودفع السيد دزرائيلي 4 مليون جنيه إسترليني، واشترى أسهم الخديوي (نصيب مصر). أتمنى أنّ فخامتكم سوف تغفرون لي؛ لأنني أحاول أن أقدم الحقائق التي ينبغي أن تكون معروفة لفخامتكم، وأن أضعها أمامكم في صورة مختصرة. يجب على فخامتكم أن تدركوا كيف كان الفلاحون المصريون ينظرون إلى القناة وإلينا.. عندما تمّ منح الامتياز، تمّ تطبيق نظام "السخرة"، وعندما تحدث ناصر عن آلاف الأرواح التي فقدت في حفر القناة، كان يقول الحقيقة التي يعرفها المصريون: لقد تمّ حفر القناة بالسخرة. ولقد كان أعظم تقدير للورد كرومر وتدخلنا هو إلغاء نظام السخرة في مصر. وهكذا؛ فإن كل هذا المشروع لم يكن للفلاح المصري سوى سلطة أجنبية، بريطانيا العظمى، التي تدعم وتتلاعب ببيت حاكم غريب غير مصري، ولا مكان للفلاحين على الإطلاق. سأترك الحديث في الموضوع حالًا، ولكن من المهم أن يدرك الناس كيف يفكر العدد الكبير من المصريين الذين سوف يتوجهون إلى صناديق الانتخابات في الأسابيع القليلة القادمة؟".
ولا بدّ أنه شعر أن أغلب الأعضاء في القاعة يتململون، وقد أحمرّت وجوههم النبيلة الإرستقراطية بالخجل، ولكن اللورد النبيل أراد فيما يبدو أن يعمق شعورهم بالذنب، فقال:
"لقد كان دزرائيلي (رئيس وزراء بريطانيا الأسبق) كاتبًا مدهشًا، وقد كتب إلى الليدي برادفورد، اليوم التالي - بعد الملعقة الكبيرة التي اغترف بها نصيب مصر - وربما كان ذلك يوم أحد، عندما قدم روتشيلد الـ 4 ملايين جنيه إسترليني واشترينا أسهم الخديوي -.. لقد كتب إلى الليدي برادفورد: لقد كان لدينا كل المقامرين، رأسماليو وممولوا العالم، منظمين وموزعين على فرق من اللصوص.. كان هذا هو ما قاله دزرائيلي حول الترتيبات المالية التي دفعت في القناة. إنه زمن طويل مضى، ومن السهل القول بأنّ هذا كله تاريخ مضى وسقط من الذاكرة، ولكنّ هذا هو كل ما يفكر فيه المصريون عندما يثور الحديث - كما أثاره بعض النواب - عن كم قد يتكلف السد، وما هو الحق الذي يملكونه في القناة، وعن الذي ينفقونه على السلاح من الخارج، وعن الثمن الذي يحصلون عليه من القطن.. كل هذه الأسئلة بالنسبة للمصريين تعني عودة السيطرة الدولية على الميزانية، ولا يوجد ما يمكن أن يتسبب في إثارة المصريين وإغضابهم أكثر من تقديم مثل هذه الأسئلة".
وفيما يبدو أنه صدرت في القاعة بعض إشارات الغضب وبعض تعبيرات الاستياء والسخرية؛ لذلك قال مبتسمًا:
"بالنسبة لي: لا أظن أن الوضع سيء إلى هذه الدرجة بالضرورة، فلماذا الاستهزاء عندما قلت أن ناصر كان رجلًا ودودًا؟ أنا بالفعل لا أظن أنه يريد أن يبحث عن المتاعب؛ ولكنه بالتأكيد يريد أن يبرر ثورته، ولكي يفعل ذلك فلا بدّ أن يكون لديه المال، ويجب أن يكون لديه السدّ، ويجب عليه أن يروي الصحراء. لقد قال أن ما فعله ليس فيه أي انتهاك لأي التزام دولي، وربما يرى البعض من الناحية السياسية ما فعله أكبر إهانة، إلا أنه يقول أنه لا يوجد شيء يخالف القانون الدولي فيما فعله. لذا فأنا أرجو أن يطلب مقابلة مع صديقي النبيل الذي يجلس أمامي، وهو الذي يمكنه أن يشرح هذه الشكوك والمخاوف إلى رئيس الجمهورية المصرية".
واستمرّ في كلمته ينتقل من حجة إلي أخرى يفند فيها كل ما أثير من اعتراضات على قرار مصر تأميم قناة السويس، وكان يتعمد أن يثير ذلك في شكل أسئلة؛ بعضها جاد وبعضها ساخر، وعندما وصل إلى قرب الختام قال:
"سادتي اللوردات.. أريد أن أضيف فقط نقطة أخيرة: ما الذي سوف تفعلونه؟ ربما كنت معجبًا بشكل كبير -كما هي حالي دائمًا- عندما أستمع إلى بلاغة الماركيز النبيل لورد ريدنج. لقد قال أنه عندما يرتكب الظلم فإنّ العدل يجب أن يتبع، وأن الجريمة يجب أن يتبعها عقاب.. لقد أسعدني أن أسمع ذلك. ولكن أي عقاب؟ كيف ستبدأ؟ وبافتراض أن هذا الرجل (ناصر) شرير بشكل كامل، وقال: "لا أهتم بكم علي الإطلاق، وسوف أستمر"، ما الذي سوف تفعله عند ذاك؟ في يونيو 1882، كان هناك شغب دموي في الإسكندرية، ورغم أننا كنا في حالة ضيق شديدة، فإننا لم نفعل أي شيء في ذلك الوقت. ولقد تمّ استعادة السلام والهدوء بواسطة عرابي باشا، الذي يعد السلف السياسي لناصر، وبدوره يعد هو الامتداد المستقيم لثورة المصريين عام 1888. في تلك الأيام كان لدينا السطوة والقوة، وبالتالي كانت لدينا الروح التي أظهرها الماركيز النبيل لورد ريدنج اليوم، ومع ذلك؛ لم نكن نفضل أن يحدث شيء كهذا، إلّا أنه لم يكد يمضي شهر بعد أن هدأ كل شيء؛ وهذا بالتأكيد كان نتيجة لتدخل عرابي باشا، إلا وأرسلنا اثنتين وعشرين سفينة حربية - لا أدري إذا كنا اليوم نمتلك اثنتين وعشرين سفينة حربية - عندما أرسلنا تلك السفن الحربية إلى الأسكندرية، رأى الأدميرال سيمور رجلًا على ساحل الأسكندرية (لا أعلم من هو) وقال له: "إذا لم تتوقف عن بناء تلك القلعة الطينية فإنني سوف أقصفها. قال المصري: "لن أتوقف"، وهكذا قام الأدميرال بقصفها بواسطة الاثنتي عشر سفينة حربية. وبعد ذلك؛ ظهر السير جارنيت ولسي، وتقدم بكتيبة واحتل القاهرة. إنني أتساءل عما إذا كان هناك شخص يمكنه حقيقةً أن يظن أن كل عملية دزرائيلي كانت ناجحة؟ أنا لا أظن ذلك، وأعتقد أنها كانت فشل كبير".
وأراد الرجل أن يوضح بعض مخاطر التصريحات الخرقاء، التي كان إيدن يوزعها بنشاط على وسائل الإعلام، وهو يتهم "ناصر" تارةً بأنه "هتلر" وتارةً بأنه "موسيليني"، والحكومة لا تخفي استعداداتها لاستخدام القوة؛ لذلك قال الرجل بحكمة:
"لقد تحدثت حكومة صاحبة الجلالة بشجاعة عن اتّخاذ إجراء، ويبدو أنهم سوف يتخذون إجراءً عنيفًا؛ وهو ما يشجعه السير جون سليسور، فهو سعيد بالذرة، ويؤمن بالقوة، كيف سيكون الأثر على دول الكومنولث البريطاني وعلى العالم بشكل عام؟ دعوني أرصّ لكم مواقف بعض دول الكومنولث.. كندا لم ترسل رسالة عدم رضا إلى ناصر، ولا قامت جنوب إفريقيا بذلك.. الهند؟ حسنًا لا أعرف، ولكن الموضوع لم يتم بحثه في بريوني.. هذا هو كل ما عرفناه من السيد نهرو. بعد ذلك: هل تشارك باكستان معنا في هذا الهجوم الكبير على مصر؟ ماذا سوف يكون مصير حلف بغداد؟ هل سألتم نوري السعيد حول ذلك؟ إنه في لندن حاليًا. ما الذي يظنه في هذا الموضوع؟ ماذا عن فارس؟ شاه فارس قام بزيارة ودّية مؤخرًا إلى روسيا. ماذا عن الأردن، التي تتلقى منّا خمسين مليون جنيهًا إسترلينيًّا كل عام كمساعدة؟ لقد تمَّ إرسال برقية ودية من الأردن إلى ناصر - تمَّ دفع ثمنها من نقودنا بالطبع - تهنئةً بما فعل.
يمكنكم أن تعتبروا أنَّ ما قلته لكم مجرد نقاط صغيرة للثرثرة، وقد تبدو بالفعل بشكلٍ ما مجرد تفاصيل؛ ولكن هي جزء من صورة أكبر.. هناك مجموعة من الدول، تلتف حول الهند، وتنتشر حتى تصل إلى الشرق الأوسط، ولا تريد أن تتورط، مثل: نهرو. إنهم يريدون منطقة محبة للسلام، ولن تشارك في حروب امبراطورية قديمة. إذا كانت حكومة صاحبة الجلالة سوف تتخذ إجراءً ضد مصر، وإذا لم يكن هناك مخرج آخر، فعليها أن تعرف أنه من المؤكد أنَّ كل جامعة العرب، وكل أصدقائهم سوف ينضمون إلى جانبها، ويبدو أنَّ ذلك أمر لا أحد يفكر فيه، وقد يكتفى في صحف مثل صحيفة الديلي ميل أو ديلي نيوز، أن ترحب بموقف الحكومة و.. نعم ونيوز كرونيكل، التي تبشر بالمبادئ الليبرالية؛ وذلك أكثر المظاهر الصادمة في إعلام اليوم، ولكن أرجو أن تأخذ حكومة صاحبة الجلالة ما قلته في اعتبارها".
وأنهى اللورد ستانسجيت كلمته، وجلس بعد ذلك ينصت لسخرية وانتقادات السادة اللوردات؛ بعضهم يذكره بموقف الليبراليين الذين شجعوا سياسة التسامح مع هتلر، وبعضهم الآخر ينتقد تردده وخوفه غير المبرر، ويذكره بقوة بريطانيا العظمى.. والحقيقة: أن جلسة 2 أغسطس 1956 تستحق عرضًا كاملًا، ورغم أنني ترجمتها بالكامل، ووضعتها في أحد فصول كتابي – تحت النشر – "دبلوماسية السويس"، فضلًا عن ترجمة كلّ جلسات مجلس العموم أثناء أزمة السويس؛ إلا أنني أردت أن أكتفي فقط بما أوردته من فقرات، لكلمة أحد اللوردات الذي كان يرى كزرقاء اليمامة مصير الحماقة البريطانية، وكنت بشكلٍ ما أريد أن أسجل له في هذا الكتاب شهادة له، كواحدٍ ممن يستحقون الشكر والتقدير من كل مصري.
---------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق