يأخذنا "أنور الخطيب" في رحلة إلى أعماق النفس البشريّة في بحثها عن الكمال والحكمة في سماء واسعة لا حدود لها ولا زوايا.
فيرسم ويحيك المشاعر المتسامية، ونصبح شركاء له، ونغرق في خضمّ الأحداث، فنعيش التجربة، ونترقّب النتائج.
تقول سوزان لانجر: "الرمزيّة هي المفتاح الجديد للفلسفة".. و" أنور الخطيب" يطبّق هذه المقولة في روايته "سماء أولى.. جهة سابعة" الصادرة عن "دار بو ملحة للنشر" في دبي؛ في طبعتها الثانية، حيث تتوفر الرواية في معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
فالسماء رمز الكمال الروحيّ والعدالة الإلهيّة، كما أنّها ترمز إلى اللانهاية والخلود والتسامي والإلهام ولا حدود لها.
أمّا الرقم سبعة فله خصائصه وقدسيته ودلالاته الرمزيّة واستخداماته وتمثيلاته في مختلف الثقافات والأديان؛ ابتداء من الألف الثالث قبل الميلاد حتّى يومنا؛ فهو رقم سماويّ مقدّس.
ولا يمكننا تصوّر أيّ حدث إلّا في مكان ما، ويحظى ( الفضاء المكانيّ) باهتمام "أنور الخطيب"، فيختار منزلًا نصف دائريّ يطلّ على الصحراء من جهة؛ وعلى الجنّة من الجهة الأخرى، وتستطيع صاحبة البيت الدخول إليه والخروج من جهاته السبع؛ ولكنّ الراوي لا يدخله ولا يخرج منه إلّا من جهة واحدة فهو لا يعرف ممرّات الجهات السبع.
فهذا الفضاء يحتوي كلّ العناصر الروائيّة بما فيها من حوادث وشخصيّات وما بينها من علاقات.
ولا نغفل عن أهمّيّة البيت ومكانته الرمزيّة فهو يمثّل الأمان والألفة والاستقرار والطمأنينة والراحة والحميميّة وهو فضاء مغلق.
بينما الصحراء فضاء مفتوح وحرّ وطليق فيه يجد البدويّ السعادة والشعور بالذات، ولا يخفى ما للصحراء من رمزيّة على المستويات الاجتماعيّة والأدبيّة فهي ملهمة الشعراء، وبطل الرواية شاعر ينشد الانتماء إلى عالم خارج عن عالمنا. ويبحث عن امرأة يشتاقها بينما هي بين ذراعيه، ويتكوّر إلى جانبها وفي داخلها وبدورها تتكوّر إلى جانبه وبداخله، والدائرة في كلّ الثقافات والحضارات ترمز إلى ترابط الحياة وتناغمها حيث تصبح نهاية مرحلة بداية لمرحلة أخرى.
وتتناول الرواية مواضيع مهمّة ورئيسة:
1- الهويّة والانتماء: كلّ الشخصيّات ليس لها أسماء، فالراوي الشاعر ينادي حبيبته سيدتي وهي تناديه سيدي.
السائق والخادمة والطاهية من دون أسماء، حتّى زوجها لا يحمل اسمًا وشقيق زوجها لا اسم له. المدينة التي جاء منها الشاعر الراوي لا اسم لها.
2- الصراع الداخليّ: تعكس الرواية صراعات الفرد النفسيّة عند مواجهته لخطاياه فيرى تاريخه ويحاسب نفسه على أفعال اقترفها.
وفي المنزل غرفة بيضاء دخلها زوج سيّدة المنزل -وحبيبة الراوي- وعند مشاهدته لخطاياه قتل نفسه.
أمّا شقيق زوجها فعند دخوله هذه الغرفة ومعرفته بخطاياه ينتحر في الصحراء.
وسيّدة المنزل وحبيبة الراوي فبدخولها الغرفة البيضاء ورؤيتها لخطاياها تتلاشى.
أمّا الراوي فمثلما دخل المنزل خرج منه ومن الباب نفسه.
وتتميّز عناوين بعض فصول الرواية بالغرابة والغموض (لقاء يليق بالجهات -حديث برونزيّ- اختراق البرونز) واللون البرونزيّ يرمز إلى الثروة والرفاهيّة كما يوحي بالقوّة والاستقرار.
يطلّ 'أنور الخطيب" من خلال الرواية على قضايا وجوديّة واجتماعيّة تجعلنا نعيد النظر في مفاهيمنا ومسلّماتنا.
فهذه الرواية ليست مجرّد قصّة حبّ تجمع الراويّ بسيّدة خانها زوجها في ليلة الزفاف واستمرّ في تكرار فعله مع مومسات كثيرات؛ بل هي محطّة عبور من القبح إلى الجمال؛ من الدنيويّة إلى الكمال الروحيّ بأسلوب جذّاب رشيق وشيّق يجمع بين الفلسفة والرمزيّة؛ والحبّ الروحيّ والحميميّة.
--------------------------------
بقلم: نجاة الشالوحي
* ناقدة لبنانية