01 - 05 - 2025

أزمة المحروقات في مصر.. نار الأسعار وتجاهل المعاناة!

أزمة المحروقات في مصر.. نار الأسعار وتجاهل المعاناة!

- موجة تضخمية قادمة بنسبة 15 % ..والمواطنون وحدهم يدفعون الثمن

شهدت مصر منذ أيام قليلة موجة جديدة من ارتفاع أسعار المحروقات شملت البنزين بأنواعه والسولار.. في ظل قرار غريب وغير مفهوم من لجنة تسعير المواد البترولية بتحريك أسعار الوقود بنسبة تتراوح ما بين 10,5% إلي 14.8% ، في حين كان هناك تراجع حاد في أسعار النفط عالميا ، خاصة بعد أن انخفض خام برنت بنسبة 15,2% منذ بدايات عام 2025 ليصل إلي 63,33 دولار للبرميل وهو سعر يقل  كثيرا عن سعر النفط الذي قدرته الحكومة المصرية فى الموازنة الجديدة لعام 2025/ 2026 والذي يتراوح ما بين 69 دولارا إلي 73 دولارا للبرميل .. فضلا عن التوقعات السلبية المستقبلية لأسعار النفط خلال الفترة المقبلة.

يتم كل ذلك في ظل سياسات اقتصادية صارمة تفرضها الحكومة ضمن اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي.. هذا الارتفاع المتكرر لم يكن مجرد رقم جديد على لوحات محطات الوقود بل كان له تأثير صارم على الحياة اليومية للمصريين الذين يئنون تحت ضغوط اقتصادية طاحنة. حيث تأتي هذه الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات ضمن خطة رفع الدعم بشكل تدريجي، وهي خطوة فرضها صندوق النقد الدولي كجزء من شروطه لمنح مصر قروضا مالية.. ولكن تتم هذه الإجراءات دون مراعاة حقيقية للأبعاد الاجتماعية، أو حتى محاولة لتخفيف العبء عن المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل، الذين باتوا يئنون تحت وطأة الغلاء وارتفاع معدلات التضخم.

لأنه وبحسب بسيطة لارتفاع البنزين والسولار فإن هذا يعني ارتفاع تكلفة النقل، وبالتالي زيادة أسعار كافة السلع من السلع الغذائية والمنتجات الزراعية والخدمات في الأسواق، وارتفاع رسوم المواصلات وارتفاع أسعار المنتجات النهائية في المحلات، وارتفاع رسوم المواصلات الكل سيتأثر - بلا شك - والنتيجة الطبيعية ستكون هناك موجة من المرتفعات لمعدلات التضخم إلى مستويات لا تقل عن 15% ، ستؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للأسر المصرية.. مما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

ورغم هذا الواقع الصعب.. لا يبدو أن هناك اهتماما كافيا بالحالة الاجتماعية المتدهورة لمعظم المواطنين الذين أصبحوا يعيشون في دوامة من القلق والعجز المالي، ولم تعد الرواتب تكفي لسد احتياجاتهم الشهرية الأساسية، وسط تجاهل رسمي لحلول عملية أو بدائل حقيقية توازن بين متطلبات الإصلاح الاقتصادي وظروف الناس.

وبحسبة بسيطة نجد أن هذا القرار له مردود سلبي سيمتد لكل مناحي الحياة.. علي الزراعة والصناعة والصحة والتعليم وعلي رغيف الخبز..

فعلي سبيل المثال فإن زيادة السولار وهو الوقود الأساسي للمعدات الزراعية والنقل وتشغيل ماكينات الري، والجرارات، والحصادات فعندما زاد سعر السولار من قبل من 8.25 جنيه إلى 10 جنيهات للتر بزيادة 21% ارتفعت تكلفة تشغيل المعدات الزراعية هذه بنفس النسبة تقريبا.. والفدان اللي كان يكلف الفلاح 3 آلاف جنيه زراعة قد يكلفه الآن 4,000 جنيه.. كما أن تكلفة نقل المحاصيل زادت أيضا بنسبة من  15إلي 25%، وهذا يؤثر - بلا شك - على أسعار البيع للمستهلك.. فالمزارع يخسر والمستهلك يدفع أكثر.. والنتيجة الطبيعية هي ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة بنسبة لا تقل عن 20-30% في السوق، وهذا حصل فعلا بعد كل موجة غلاء في السولار.

وفي مجال الصناعة، فالمصانع تعتمد بشكل أساسي على المحروقات سواء في تشغيل الماكينات أو النقل والتوزيع.. فعلي سبيل المثال فإن زيادة السولار بنسبة 21% يساوي ذلك زيادة مباشرة في تكلفة الإنتاج بنسبة من 10إلي 15%.

ولنأخذ علي ذلك مثالا لمصانع الأسمنت أو الطوب تستهلك سولارا بكثافة في الأفران والنقل.. وبالتالي فإن زيادة التكلفة ستؤدي لرفع سعر الطوب والأسمنت بنسبة تتراوح من 10% إلي 25%.. وكذلك صناعة الأغذية في النقل والتبريد ومواد التعبئة كلها تتأثر.. والنتيجة الطبيعية ستكون انخفاض تنافسية المنتج المصري في الأسواق ، وإغلاق بعض المصانع الصغيرة بسبب العجز عن مواكبة ارتفاع التكاليف.

وبالنسبة للمردود السلبي علي التجارة سيشمل موضوع النقل بين المحافظات والذي سيزيد بمعدل يتراوح ما بين 20 إلي 30%.. وبالتالي ستزيد أسعار المنتجات المنقولة من الدلتا للصعيد أو العكس وستزداد أسعار البيع النهائي.. فمثلا كرتونة البيض اللي كانت تباع بـ 120 جنيها تصل لمحافظة ثانية بـ 140–150 جنيها بسبب فرق النقل.. وستزيد أسعارها من تاجر الجملة والتجزئة  إلي أكثر من 170 جنيها للكرتونة.

وبالنسبة لرغيف العيش البلدي فإنه يعتمد في إنتاجه علي الديزل لتشغيل الأفران وتكلفة نقل الدقيق.. وتقوم الحكومة بدعم الرغيف ليباع بسعر 20 قرشا للمواطن، بينما تكلفته الحقيقية ارتفعت من حوالي 90 قرش إلى ما يقارب 1.25 جنيه حاليا.. وبالتالي إذا استمر الرفع التدريجي للدعم سيتم تقليل الحصة أو رفع السعر على المواطن.. وهذا سيهدد ملايين المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل الذين يعتمدون عليه كمصدر أساسي للغذاء.

كما سيكون هناك تأثير مباشر علي الصحة في عملية نقل الأدوية والمستلزمات الطبية وارتفاعها بنسبة من  15 إلي 20%..وتشغيل الأجهزة والمولدات في المستشفيات التي تستهلك سولار/غاز

بخلاف نقطة انتقال الأطباء والممرضين حيث يعزف أكثرهم عن التنقل خاصة في المحافظات.

والنتيجة في النهاية هي زيادة أسعار العلاج والخدمات الطبية.. وتقليل عدد العيادات المتنقلة أو المستشفيات الريفية الفقيرة.

وبالنسبة لمنظومة التعليم فإن عملية نقل الطلاب والمدرسين وارتفاع تكلفة المواصلات.. أدي ذلك إلى عدم مقدرة بعض أولياء الأمور علي تغطية مصروفات المواصلات أو الدروس.. كما قامت المدارس الخاصة بزيادة المصروفات بنسبة من 15% إلي 25% لتعويض زيادة تكلفة التشغيل والنقل.

في النهاية فإن زيادة أسعار المحروقات لا تقتصر تأثيراتها على تكلفة "البنزين والسولار" كأرقام، لكن لها سلسلة طويلة من التأثيرات التي تمس كل بيت وكل مواطن من أول رغيف العيش انتهاء بالخدمة الصحية والتعليم.
----------------------
بقلم: ضياء عبد الحميد


مقالات اخرى للكاتب

أزمة المحروقات في مصر.. نار الأسعار وتجاهل المعاناة!