منذ أن وعيت على الدنيا وحتى وقفت على مشارف الشيب، وأنا لا أسمع إلا الصراخ والضجيج العربي من الغرب المحتل والمغتصب للحقوق العربية، والكذب وإدعاء التحضر والمدنية من قبل الغرب، فهل من التحضر والمدنية استغلال الشعوب ونهب خيراتها وقتل المدنيين العزل بلا ذنب أو جريرة غير أنهم عرب، وهنا لا ألوم الغرب بقدر سخطي وحنقي على العرب وإستسلامهم لقاتليهم وجلاديهم، إما بالأمر المباشر أو عن طريق وكلائهم من الحكام العرب والأنظمة العميلة التي تُمارس البطش والقمع على تلك الشعوب التي ألفت الإستسلام للواقع ولا تسعى لتغييره، بل ملأوا الدنيا صراخاً وعويلاً حول قضاياهم وحقوقهم المغتصبة دون أن يتعدى الأمر إلى الفعل، بل بلغ بهم الأمر أن من يقاوم هذا الواقع المنبطح وصموه بالإرهاب، فهكذا أمة لا تستحق الا حياة الأذلاء الخانعين.
والعجيب أن العرب جميعاً يصيحون الذئب الذئب دون أن يحموا القطيع ويلقوا باللائمة على الذئب، ونسوا أن صمت الراعي وغفلته يغري الذئاب الجائعة ، تعالوا نحتكم الى التاريخ لنحصي معا أمجاد هذه الأمة التي تحولت من قبائل وعشائر متناحرة الى حالة الدولة، وكان ذلك على يد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ثم أكمل من بعده الخلفاء الراشدون، وكان صعود نجم العرب بالأندلس وما سمي بالحضارة الاسلامية وكانت بمثابة الحقبة الاستثنائية في تاريخ العرب كله، الى أن عادوا أجلافاً متناحرين كسيرتهم الأولى ولم يعوا الدرس ويعيدوا بناء أنفسهم كما تفعل الأمم الواعية، ثم جاء الغزو التتري وأجتاح الشرق وجاء الإنذار الى مصر بالتسليم فرفضت، ولان مصر هي الحالة التاريخية الإستثناء لأنها تملك تاريخاً لا يملكه العرب، فهي دولة منذ فجر التاريخ قبل أن يعرف العالم المركزية ونظام الدولة، وكان ما كان من مصر وجيشها الذي هزم التتار شر هزيمة وردهم على أعقابهم .
أردت من هذا العرض السريع المختصر أن أفضح كذب الغرب وإدعاءاته بالمُثل والمبادئ الكاذبة ومدنيته عديمة الأخلاق، ونطاعة العرب وخنوعهم الذليل وغير المبرر للغرب الجشع والطامع في ثرواتهم ، فهل يكف الغرب عن الكذب والتزييف وهل يكف العرب عن الصراخ والثرثرة، إما أن يكونوا رجالاً يدافعون عن وجودهم بكل ما أوتوا من قوة، أو يموتوا في صمت.
-------------------
بقلم: سعيد صابر