30 - 04 - 2025

"سيرة هشّة ليومٍ عادي".. الرواية حين تهدد مكانة الفيلم التوثيقي

"البرد شديدٌ هنا، لقد انتصف شهر طوبة، والعشرة الأواسط منه أشدُّها زمهريرًا، والسَّحر أشد أوقات الليل صقيعًا يُجمّد الأطراف. إنه برد الأربعين يومًا القارسة في كياك وطوبة"..

"أُسمِّيك هند، أو مَيْ، أو ليلى أو هاجر أو سارة، أسميك ما أشاء من أسماء النساء، وكل ما علا في السماء، إليكِ أكتب وحدك، أكتبُ وإن تعددتِ الأسماء"

اللغة الرصينة الجارية بهدوء أول ما لفت نظري في رواية عبدالكريم الحجراوي الصادرة عن بيت الحكمة: "سيرة هشّة ليوم عادي" 

الوصف الأقرب إلى عدسة كاميرا مستندة إلى كفٍ مطمئنة لأدواتها، والحضور المكثف لقاموس الفلكلور والأدب الشعبي..

توقفت طويلًا أمام قدرة الكاتب على اصطياد لقطات متناثرة على مدار اليوم والليلة في قرية واحدة بعيدة، ثم بهدوء وصبر تتجمع اللقطات فتروي على مسامعنا حكاية أو حكايات هادئة وذات مغزى..

هي سيرة، نعتها كاتبها ب (الهشّة)، لكنه قدّم نماذج إنسانية لكل منها تجربة خاصّة: أسماء الجميلة التي ماتت بلا عِلّة، ونبشُ قبرٍ مصادفة في ساعات السَّحر الباردة، ومنصور العاشق وإهانته المذلة بالإسكندرية التي ضاق بإخفائها وسترها كالعورة، ونحته الحزين على الصخور.. 

كأن الحجراوي أطلق طائرات بلا طيار تحمل كل منها كاميرا، لتسجل مشاهد فيلم توثيقي طويل، فيما الرواي حاضرٌ بصوت خفي، وطاغي الإيقاع.

هذه الرواية كُتبتْ على مَهَل، وتستحق القراءة على مهَل.
---------------------
بقلم: محمد موافي