بقلم/ محمود الحضري
منذ نهاية نهار الأربعاء بالنسبة لتوقيتنا العربي، والعالم لم ينم ويدرس ويبحث ويناقش تأثيرات قرارات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بفرض ضرائب على واردات أمريكا من 200 دولة حول العالم، تراوحت بين 10% إلى 49%، ويبقى الأهم ماذا سنفعل عربيا، وكيف نستخدم المتاح من أوراق تخدم مصالح الشعوب وقضايانا العربية الساخنة، واستغلال الخط الرابط بين السياسة والاقتصاد.
ومن المؤكد أن لكل دولة سياسات وتدير أمورها وفق مصالحها الداخلية وعلاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي، وتبنى علاقاتها بما يحقق لها استقرارها الداخلي والخارجي، وتتخذ قراراتها مع الآخرين وفق ما تراها مع شركائها سواء كانوا إستراتيجيين أو غيرهم، ومن تأتي أسس مختلفة لكل دولة عن غيرها في بناء مصالحها مع الخارج.
ومما لا شك فيه أن الهيمنة الأمريكية في محيطنا العربي له خصوصية في ترتيب العلاقات مع الدول العربية، ويدرك الساسة الأمريكيون قوة وضعف كل دولة، ويتعاملون معها وفق تقديرهم موقف وقوة طل دولة، من التعامل بحرص، أو من خلال أدوات استغلال، تصل إلى حد الاستنزاف.
والتجارب في السنوات الماضية، أو قل نصف القرن الأخير تضع الولايات المتحدة مبدأ رئيسي في علاقاتها مع الدول العربية قائم على حماية إسرائيل كحليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط من أي خطر عربي أو خارجي قد يهدد وجودها.
بل هناك حرص أمريكي على عدم وجود تقارب عربي يصل إلى حد وجود تكتل عربي موحد وقوي في المنطقة، بل تعمل على زرع الخلافات العربية العربية، بل داخل البلد العربي الواحد، ويبرز هنا دعم واشطن الصريح لتكتلات ما يسمى بـ"قوى الإسلام السياسي"، وما يتبعها من تنظيمات وجماعات مسلحة، تخيف بها أصحاب السلطات، سواء كان بشكل علني، او من الخلف، بل يصل الأمر في كثير من الأحيان القول من جانب القادة الأمريكيين "بأننا نحمي عروش وسلطات دولكم"، وهو ما قاله كثيرا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابات علنية وغير علنية.
وسياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ترتكز في الإبقاء على الوضع الكائن من خلال عدم استقرار سياسي، ومنع أي تقدم في مجال التنمية السياسية أو التنمية الاقتصادية، يأتي بنتائج تثير القلق الأمريكي، أو يؤثر على الدول الحليفة، وذلك مقابل ثمن كبير تتحمله الشعوب أكثر من الأنظمة ذاتها.
ووفقا للدراسات السياسية والإستراتيجية فإن تعامل الولايات المتحدة، مع الدول العربية لم يتغير عن استخدام كل أدوات الضغط، بما في ذلك الحصار، والتهديد بهد بشكل دائم، وهو ما حدث مع العراق والسودان وليبيا، أو باستخدام القوة العسكرية مثلما حدث مع العراق وليبيا والسودان، بخلاف التوريط في حروب عديدة، مثل غزو الحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت، او حرب اليمن، والحرب السودانية السودانية، والحرب المباشرة وغير المباشرة على غزة ولبنان وسوريا والعراق.
ولم تفلح أي تحالفات أو وعود مع الولايات المتحدة في منع ترامب من تضمين 200 دولة في فرض رسوم جمركية وضريبية على وارادات أمريكا، في مرحلة يصفها الخبراء بأنها تبئ على حرب تجارية عالمية، ستؤثر كثيرا على العديد من الدول.
ولم تستثني تلك القرارات "الترامبية" الدول العربية، والتي تضمنت في أغلبها رسوم بنسبة 10% على صادراتها إلى أمريكان، بما في ذلك مصر والسودان ولبنان واليمن والسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين والمغرب وموريتانيا وعُمان وجزر القمر، فيما وصلت 41% على سوريا، و39% على العراق و20% على الأردن، و28% على تونس، و30% على الجزائر، و31% على ليبيا.
ومن المتوقع أن يستخدم ترامب ورقة الرسوم الجمركية في ضغوطه على الدول العربية لتحقيق هدفه الرامي إلى تهجير الفلسطينيين، إلى دول أخرى وتفريغ قطاع غزة، ليس فقط بل والضفة إلى أمكان أخرى، ليس لإعادة أعمارها، بل لمرحلة تصل إلى "الاستعمار، وهناك توقعات بأن يدخل ترامب في مفاوضات حول الرسوم الجمركية بما فيها الدول العربية، في محاولة لكسر الرفض العربي لمطالبه بإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ما ألمح به "مايك والتز" مستشار ترامب للأمن القومي ،في وقت سابق من هذا العام، بقوله عقب لقاء "ترامب نتنياهو" "أعتقد أن الرئيس ترامب يَعُد الرسوم الجمركية أداةً أساسيةً لسياستنا الخارجية".
وقبل أن يبدأ ترامب في استخدام (حرب الضغوط الضريبية والجمركية) على الدول العربية، يصبح السؤال الجوهري "ماذا نحن فاعلون"؟
ويصبح السؤال أكثر الحاحا، مع الدحول في مفاوضات عربية أمريكية، خاصة مع دول كثل السعودية والإمارات، وطموح ترامب لكسب استثمارات تثل إلى 2.5 تريليون دولار، كمرحلة أولى قابلة للزيادة مع الدخول في مفاوضات أخرى مع طول مثل قطر والكويت، والنظر للكعكة النفطية في ليبيا، ومغازلة الغاز الجزائري، وغير ذلك في تفاوض مع مصر، ودول أخرى.
السؤال مهم ومن حق الشارع العربي أن يطرحه على قادتهم، هل سيتم التوظيف الأمثل للمفاوضات المرتقبة مع ترامب حول القضايا الاقتصادية، والجمركية الجديدة، بما يخدم مصالح الجميع، وكسب حقوق أفضل للفلسطينيين، إلى جانب المكاسب الاقتصادية والسياسية لكل دولة؟.
وايام وسندخل السعودية والإمارات في مفاوضات مع الإدارة الامريكية الساكنة البيت الأبيض، حول تفاصيل متعددة حول استثمارات ضخمة لعشر سنوات قادمة، والشعوب تنتظر من المفاوضين ليس من السعودية ولإمارات فقط، بل من العرب، أطروحات تصب في الخانة العربية، وليست في الخانة الأمريكية التي تخدم بالضرورة الخانة الصهيونية.
القضية برمتها تحتاج إلى إعادة ترتيب، خصوصا مع توقعات بإعادة الاستثمارات في دول بعيدا عن الضغوط والحروب التجارية التي دق ناقوسها "دونالد ترامب" المعروف بتوجهاته التجارية، قبل السياسية، من خلال سمسرته العقارية، ويصبح من المهم أن نستخدم كل أدواتنا بما فيها الاقتصادية، والاستثمارية، وكذلك أدوات الدين في السوق الأمريكي، بما يخدم مصالح الأمة.
……………………………..
بقلم/ محمود الحضري