30 - 04 - 2025

الإمام الطيب: حساب العباد لا يتعدى فواق الناقة.. و"الجليل" لم يرد بالقرآن الكريم وأصله "جل"

الإمام الطيب: حساب العباد لا يتعدى فواق الناقة.. و

يواصل شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب الغوص في معاني أسماء الله الحسنى، ليتوقف بنا أمام "الحسيب"، الوارد ذكره في القرآن الكريم مرتين بسورة النساء في الآية السادسة ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ والآية 86 ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ وفي سورة الأحزاب ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾.

** كفاية الله تغني المخلوق عن الأخرين

ولفت الإمام الطيب إلى أن "الحسيب" له أكثر من معنى، فهو الكافي الذي يعطيك حد الكفاء ويجعل عبده في حالة استغناء عن الأخرين.. كما أن الله سبحانه وتعالى كفى الخلق في إبرازهم من العدم للوجود وبقائهم.. فالله هو من لدية القدرة على الإخراج من العدم للوجود، وهو من لديه القدرة في بقائه.. لقد قال في كتابه الكريم بسورة الطلاق ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

وفي دلالة من شيخ الأزهر على أن كلمة الحسيب تعني الكفاية واستغناء المخلوق عن الأخرين في رزقه وحمايته من الله وحده، أشار إلى آيات قرآنية تؤكد ذلك بقوله تعالى في سورة الأنفال ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

شيخ الأزهر قال "إن الإنسان مهما بلغ من الكفاية نتيجة جهده، فهو لن يستطيع الاستغناء عن الحسيب بمعناه الكافي"، مشيراً لبعض من مقولات الإمام الغزالي في التأكيد على أن الله هو الكافي وليس البشر، باللبن في ثديي الأم والذي يشربه المولود وهو أعمى لم تتفتح عيناه بعد، ويظن المرء أن ذلك اللبن يغني الطفل، ولكن الأم واللبن مخلوق من خلق الله، الذي خلق الأسباب التي تنتج المسبب والجميع من خلقه سبحانه وتعالى.

وشدد شيخ الأزهر على ضرورة الإيمان بأن الله هو الكافي عند الدعاء بـ "حسبنا الله ونعم الوكيل" وأنه قادر أن يكفيه الشر بكافة أوجهه..

** هو الكافي والمُحاسب دنيا وأخرة

وتطرق شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى أن اسم الله " الحسيب" يعني أيضا الحساب والمُحاسبة، وهو ماورد بالقرآن بأنه شاهدا ومحاسبا لأعمال العباد، وأن الحساب والمُحاسبة في الدنيا والأخرة بقوله تعالى لرسوله، في سورة مريم ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾، وهو ما فسره العلماء بأن الله تعالى كان يحسب أيامهم ولياليهم وأنفاسهم..

ولفت شيخ الأزهر إلى أن الله تعالى لا يشغله حساب عن حساب، وأن السماء والأرض في قبضة الله تعالى وهو يحسب كل شيء، كل مخلوق يولد ويموت، وكل جسد يتحلل في باطن الأرض، إن كل شيء محسوب حسابه لدى الله.. كما أن حساب الله لعباده لن يستغرق وقتاً كما يظن البعض، فالله يحاسب عباده في "زمن فواق الناقة" وهو الوقت الذي تستغرقه الناقة في فقدان وعيها بعد حلبها.      

وتأكيداً على أن "الحسيب" تعني الحساب والمُحاسبة لفت شيخ الأزهر لبعض الآيات القرآنية ومنها ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ ﴿وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا﴾ و ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾.

و"الحسيب" لا يعني الكافي والمحاسب في الدنيا والأخرة فقط، وإنما تعني أيضاً "الحاسب" والذي ورد بالقرآن الكريم مرتين بصيغة الجمع، في سورة النعام ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ وفي سورة الأنبياء ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾.

ونبه شيخ الأزهر إلى جواز إطلاق "الحسيب" على البشر، لكن بدون الألف واللام، لأنهما في أسماء الله الحسنى ليست للتعريف، وإنما مخصصة للكمال المطلق، وبالتالي يمكن تسميتهم بـ "حسيب أو كريم"، لأنه لا يصح أن يوصف البشر بما يوصف به الله سبحانه وتعالى.

** "الجليل".. تام القدرة والعلم

وفي بحثه المتواصل في أسرار أسماء الله الحسنى، وقف الإمام الطيب أمام اسم الله تعالى "الجليل"، الذي لم يرد في القرآن الكريم أو السنة أسماً، ولكنه ورد وصفاً في قوله تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ وقوله ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾.. وهنا يوضح شيخ الأزهر أن ﴿ذو الجلال والإكرام﴾ يعني ذو الجلال والعظمة.. وقياسًا على الأسماء المشتقة في اللغة العربية، مثل "ذو العلم" تعادل "العالم"، و "ذو الكرم" تعادل "الكريم".. وقال شيخ الأزهر "إذا ثبت لله تعالى الجلال، فهو جليل، وذو الجلال هنا ليست صفة مضافة، بل هي تأكيد لثبوت الجلال له سبحانه".

وأصل "الجليل" ـ كما أوضح شيخ الأزهر ـ يعود إلى الفعل "جلّ"، الذي يحمل ثلاثة معانٍ في اللغة العربية هي: "أعطى"، و"كبر في السن"، و"عظم قدره".. وهي كلمة كانت تطلق في المجتمعات العربية التي هي أصل اللغة العربية المنزل بها القرآن الكريم.. وكانوا يقولون «ذهبت إلى فلان ما أجلني» وتعنى «ما أعطاني».. وهنا نبه الإمام الطيب إلى أن بعض المعاني لا تليق بالله سبحانه وتعالى، مثل كبر سنه، وهي من صفات النقص.. بينما يَصلح المعنيان الآخران لوصف الله تعالى، "عظم قدره" وهي صفة القدم بمعنى لا أول له، والبقاء لا أخر له.. وبالتالي يحمل "الجليل" معنى القدم والبقاء فالله وجد بذاته، ومن المعاني التي يحملها اسم الله تعالى" الجليل" أنه تام القدرة وتام العلم.. فالله وجوده من ذاته بخلاف البشر الذي كان معدوما ثم أوجده الله..

واستكمل الإمام تفسيره بقوله إن الجلال تعني «الإعطاء».. و"جليل" تعني عظم القدم والذات، وذلك يتطلب أن يكون تام العلم والصفات وهي تدل على عظمة الذات، ومن هنا ندرك أن صفات الذات والأفعال تعطي معنى جليل.

وحول التشابه بين الجليل بالكبير والعظيم، أوضح شيخ الأزهر أن بعض العلماء رجع بها إلى عظم الذات، وعلماء رأوا بأن الكبير هي الكامل الموجود الذات المستحق لكمال الذات، وبالتالي هو الجليل الموجود الكامل الصفات.. ولفت شيخ الأزهر إلى أن عظيم الذات هي كامل في صفات ذاته وكامل الصفات من أعظم الأسماء.

ولفت الإمام الطيب إلى إن الإنسان ليس له نصيب أن يتشبه بذلك الاسم، ولكن على العبد بأن يتحلى بأخلاق التواضع في حياته وتصرفاته مع نفسه والأخرين، مشيراً إلى قول رسول الله " من تواضع لله رفعه".. داعياً إلى ضرورة إعادة النظر في تربية أولادنا وفقا لقيم وتعاليم الإسلام للنهوض بتلك الأمة التي كانت تضع قدما في الأندلس والأخرى في الصين.
------------------------------
كتب ـ محمد الضبع