01 - 05 - 2025

سيناريو شمشون.. والمتحذلقون

سيناريو شمشون.. والمتحذلقون

هناك سيناريو يتردد علي استحياء في منتديات العدو (وبعض الأصدقاء) ، يصل إلي حد فرض التهجير إلي سيناء بعمل عسكري مباشر ، يتضمن عبور وحدات عسكرية صهيونية ، تحت حماية مظلة جوية كثيفة ، وإسناد من البحر ، لتأمين مساحة تعادل تقريبا مساحة قطاع غزة ، ولكن داخل سيناء ، وشرق رفح التاريخية ، مع ضغوط لا تطاق علي السكان لدفعهم من جنوب غزة إلي تلك المساحة المؤمنة ، ثم الإنسحاب إلي داخل القطاع ، بعد إغلاق محور فيلادلفيا بإحكام يمنع عودة أي فلسطيني .

ورغم أنه لا يمكن استبعاد أي سيناريو عن العصابة الصهيونية ، ولكنني أظن أن هذا السيناريو يصعب تصوره ... فمهما كان جنونهم ، فهم يعرفون إستراتيجيا أهمية الإبقاء علي مصر في الركن ، محصورة ، لا هي قادرة علي الفعل ، ولا هي تتحمل تبعة السكون ..

هذا الوضع الإستاتيكي في تقديري يناسب المخطط الصهيوني في المرحلة الحالية ، خاصة أن لديهم أدوات أخري لتحقيق نفس النتيجة دون استثارة الحالة المصرية (التي تزيد عن شكل وسلوك نظام الحكم) .

وعلي أي حال ، فلا يمكن لعاقل أن يري فائدة لتورط عسكري مصري ، في توقيت لا تختاره ، ولمقتضيات لا مفر منها ، علي ضوء الظروف والمعطيات الحالية ، مهما زايد المتحذلقون .

ومن عجب ، أن تتصدر أصوات أخري متحذلقة من داخل ما يسمي " النخبة المصرية " في الأكاديمية والإعلام ، وهي تتبني تقريبا المنطق الصهيوني المتطرف ، الذي أصبح لا يجد صدي في أوساط كثيرة محترمة في الغرب .

وبالمصادفة وجدت أمامي ، وقد شرعت في كتابة هذا المقال ، مقابلة تليفزيونية كان أحد طرفيها " أكاديمي" مصري ، اشتهر بأنه كان من رؤوس ما سمي "جماعة كوبنهاجن" ، وعلي الطرف الآخر كان الدكتور المحترم مصطفي البرغوثي عن الجانب الفلسطيني .

وللأسف ...كان الطرف المصري في النقاش لا يملك سوي الحجج المستهلكة التي روجت لها "جماعة كوبنهاجن" ، والتي يمثلها المتحاور المصري قلبا وقالبا ، وحلاً وارتحالاً  بين عواصم الغرب وخاصة واشنطن ، والتي مسحها البرغوثي بجملة واحدة ، حين قال  :" الغرب (ومن يروجون له عندنا) ، يحاول أن يدعي أن الأزمة بدأت ب 7 أكتوبر ، بينما غزة محاصرة قبل ذلك لمدة 17 عاما ، والمستوطنات تنتشر بشكل سرطاني في الضفة، بحيث لم يتبق ما يمكن أن تقوم عليه دولة فلسطينية ... حماس ليست موجودة في سوريا ، فلماذا تقوم اسرائيل بإحتلال أجزاء جديدة فيها؟.. حماس ليست موجودة في لبنان ، فلماذا لم تنسحب اسرائيل تنفيذا لإتفاق وقف إطلاق النار" .. وبهت الطرف الآخر الذي كان يلقي بالإتهامات جزافا علي الضحية ، وهو الذي طالما أبدي انبهاره بتقدم وعبقرية العدو الصهيوني.

لقد اختفت " جماعة كوبنهاجن " واعتذر بعض كبارها ، بعد أن ثبت إفلاس دعواهم ، وخاصة بعد الربيع العربي.. ولكن مثل "هايدرا" الأسطورية، تنبت رؤوس جديدة أو قديمة ماتت ، كي تطل وتبشر برسالتها الخالدة في الإنهزامية والإنبطاح أمام العدو للأسف الشديد.ا

أمر محزن ذلك الإصرار المريب علي موقف ثبت إفلاسه تماما.. وإن كان قد أثري بعض من تقلدوه ، علي الاقل في رحلات مدفوعة الأجر ، إلي واشنطن وتل أبيب .
-----------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق


مقالات اخرى للكاتب

محاكمة قناة السويس في بريطانيا!