يُعد مسلسل "ولاد الشمس" من الأعمال الدرامية التي أثارت اهتمام الجمهور وتعاطفه خلال النصف الأول من شهر رمضان 2025، حيث يقدم حبكة درامية مشوقة تحمل في طياتها مزيجًا من الإثارة والتشويق الاجتماعي، فهو يقدم لنا توليفة درامية تلامس قضية إنسانية شائكة شغلت الرأي العام المصري لسنوات طويلة حتى تم حسمها بإعادة دور الأيتام داخل الجمهورية المصرية إلى الانضباط خلال السنوات العشر السابقة. المسلسل يدور حول معاناة الأطفال في دور الأيتام، حيث نجح في تسليط الضوء على هذا العالم المظلم، وكيف يمكن أن يتحول إلى بيئة خصبة لاستغلال الأطفال وتجنيدهم في أعمال غير مشروعة من خلال شخصيتي "مفتاح" و "ولعة" اللذين لعبا دوريهما كل من "أحمد مالك" و "طه دسوقي".
استطاع كاتب السيناريو مهاب طارق صياغة توليفة درامية تلعب على تيمة الصداقة والحب والقتل والانتقام ما يذكرنا بفيلم "سلام يا صاحبي" للنجمين الكبيرين عادل إمام وسعيد صالح، ولكنه ينقل ساحة الإجرام والأكشن من السوق إلى عالم دور الأيتام وحواديت استغلال الأطفال في الأعمال الإجرامية، وهو ما أثار حفيظة البعض في مصر، خاصة الجهات المسؤولة عن دور الأيتام والتي تتابعها وتشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي بنفسها، ولكن بعيداً عن هذه التحفظات، فنحن في ولاد الشمس نتعامل مع تيمة شعبية تستطيع بسهولة الوصول إلى قلب القاعدة العريضة من الشعب، وهنا نضيف على هذه التوليفة حكايات أطفال يعانون فقد الأهل ويعيشون بدون رعاية حقيقية، ما يجعل المسلسل يركب القطار السريع لدخول أي منزل والهيمنة على أي دراما أخرى تدور حوله في شهر الدراما الرمضانية التي ينتظرها السوق الفني من العام للعام.
هذه التيمة الناجحة مسبقاً ساهمت بشكل كبير في التغطية على مشاكل في السيناريو، وهذه المشاكل تشمل عدم رسم تاريخ لكثير من الشخصيات، فأصبحنا نتعامل مع الشخصية بدون معرفة مبررات تصرفاتها وتحديداً الشخصيات النسائية في المسلسل، فنحن على سبيل المثال لا ندري مبررات شخصية سعاد التي لعبت دورها باقتدار "جلا هشام" لخيانة مفتاح وما الذي جعلها شخصية جشعة إلى هذا الحد؟ كذلك لا نعلم أي شئ عن تاريخ شخصية أمينة التي لعبت دورها "دنيا ماهر" وما الذي تسبب في أن تقرر العمل والحياة داخل أسوار دار ولاد الشمس، كما لم نعرف أي شئ عن الصحفية تهاني التي لعبت دورها بكثير من الافتعال غير المبرر الممثلة الشابة "مريم الجندي".
المشكلة الحقيقية في سيناريو هذا المسلسل، أننا لم نعلم أسباب قيام بابا ماجد نفسه، والذي لعب دوره الفنان الكبير محمود حميدة باقتدار مبهر، بتدمير عائلته هو شخصياً، ما الذي يجعله يقوم بكل هذه الفظائع لتدمير أخيه وعائلته؟! هل هو الجشع فقط؟ أم تاريخ سيئ جمعه بأخيه، ووصل الأمر إلى أننا لم نعلم أي شئ عن بابا ماجد نفسه وكأن ماضيه كله انمحى من أجل اللحظة الراهنة التي نشاهدها على الشاشة؟!
وقع السيناريو أيضاً في كثير من الكلاشيهات الدرامية المتكررة بدون سبب غير أن كاتب السيناريو لم يتعب نفسه لدراسة أي شخصية قبل الكتابة عنها، فإلى متى نحن مضطرون لمشاهدة الصحفي الذي يسب رئيس التحرير ويضربه؟! في أي جريدة يحدث ذلك؟ كان من الأحرى بمهاب طارق أن يدرس شخصية الصحفي الشاب وبيئة العمل الصحفي قبل أن يكتب شخصية الصحفية تهاني والتي من الصعب أن يكون لها علاقة بأي واقع من قريب أو من بعيد.
استطاع المخرج شادي عبد السلام أن ينقذ عوار السيناريو بصورة منتقاة جيداً، فلقد استطاع أن يخلق أجواءً درامية مشوقة وينقل لنا مشاعر الممثلين ببراعة، كما كان من أفضل المخرجين الذين استخدموا الدرون في التصوير بشكل محكم ويخدم الدراما فعلاً دون إفراط مثلما شاهدنا في بعض الأعمال الأخرى التي ظهر المخرج وكأنه سعيد بلعبة جديدة، إضافة إلى استخدامه الإضاءة بأسلوب يخدم القصة ويعزز تأثيرها، فلقد كانت إضاءة الدار دائماً خافتة ما يشي بالظلم الواقع على الأطفال، بينما النور والشمس في الخارج دائماً، ولا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي لعبته الموسيقى التصويرية للمسلسل التي ألفها خالد الجابري فخرجت قوية ومعبرة عن الحالة النفسية لشخوص المسلسل وكذلك للمشاهد الخاصة بالمواقف المأساوية المميزة في الدراما والتي جمعت غالباً شخصيتي "مفتاح" و "ولعة"، وهنا يجب أن نتحدث عن بهاء سلطان الذي يستطيع أن يحول أي كلمات لأي أغنية إلى سلطنة عالية تعزف على مزاج الوجدان المصري.
قدم طاقم الممثلين أداءً تمثيلياً متميزاً خاصة الفنان الكبير محمود حميد الذي برع في تقديم شخصية المجرم السيكوباتي ببراعة، كما تألق طه دسوقي في تقديم شخصية مفتاح الطفل المُهمل مرتين، مرة عند غياب أبويه الطبيعيين ومرة عند ترك أبويه بالتبني له وهو في التاسعة من عمره، فسار في الحياة بنفسية الطفل المُهمل والمعنف باقي أيامه، أما أحمد مالك فيؤكد بلعبه دور "ولعة" أنه قطع أشواطاً كبيرة في نضجه الفني وأنه مازال أمامه الكثير ليقدمه من نضوج وأداء مُلفت ووجوه تمثيلية متعددة.
يحمل مسلسل "ولاد الشمس" رسالة إنسانية نبيلة، حيث يسلط الضوء على معاناة الأطفال في دور الأيتام، ويدعو إلى ضرورة توفير الحماية والرعاية لهم. كما يدعو إلى محاسبة المتورطين في استغلال الأطفال وتجنيدهم في أعمال غير مشروعة.
يعد مسلسل "ولاد الشمس" عموماً، إضافة قيمة للدراما المصرية، حيث ينجح في لفت انتباه الناس إلى قضية مهمة جداً ألا وهي الأطفال الأيتام الذين يعيشون في دور للرعاية بدون أهل وأن لهم حقوق وعلينا تجاههم واجبات، وهذا ما أكده المسلسل في الحلقة الأخيرة التي قدمت في نصفها الثاني فيلماً تسجيلياً عن أطفال حقيقيين تربوا في دور للرعاية، وسمعنا منهم معاناتهم مع المجتمع وكيف أصبحوا اليوم بعد مغادرتهم الدار.
---------------------------
بقلم: أمنية طلعت المصري