09 - 05 - 2025

كتاب جديد: الهدف الإسرائيلي الأبرز في إثيوبيا هو محاولة السيطرة على مياه النيل

كتاب جديد: الهدف الإسرائيلي الأبرز في إثيوبيا هو محاولة السيطرة على مياه النيل

انطلقت السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا من محددات تسعى من خلالها إلى الحفاظ على أمنها القومي، وتثبيت أركانها في هذه الدولة التي لها ثِقل في منطقة القرن الإفريقي. ولذلك اتَّبعت إسرائيل سياسةً ذات مغزى أوسع تجاه إثيوبيا منذ نهاية الحرب الباردة، حيث انطلقت نحو ترسيخ علاقاتها في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية؛ بغيةَ تحقيق مصالحها. وفى هذا الإطار تستند إسرائيل إلى مؤسساتها في ترسيخ تلك العلاقة، بالاعتماد على العديد من الوسائل والأساليب.

يسعى هذا الكتاب "السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا .. التاريخ.. الأهداف.. الأدوات" للباحث في الشأن الأفريقي د.محمد عادل للإجابة على فرضية هامة فحواها "أن إسرائيل كانت تندفع نحو تشكيل علاقات مع إثيوبيا لأنها كانت تمتلك حدودا بحريه على البحر لأحمر عندما كانت تضم إريتريا أما بعد تسعينيات القرن العشرين فقد انفصلت إريتريا رسميًا عن اثيوبيا عام 1993، وهذا ما يمثل مشكلة أمام إسرائيل"، ولذلك فإنَّ دراسة السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا تعني محاولة فهم أهم الأفكار والأسئلة والانشغالات والأسباب، التي انطلقت منها إسرائيل لتحدِّد استراتيجيتها تجاه هذه الدولة بعد الحرب الباردة وانفصال إريتريا عنها، سواء تلك المتعلقة بالقارة نفسها، أو تلك المتعلقة بوجودها في إطار دولي، و إلى ذلك فالتساؤل الرئيسي لهذا العمل يناقش طبيعة السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا منذ انتهاء الحرب الباردة

ويقول "مرَّت السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إفريقيا بشكل عام، وإثيوبيا بصورة خاصة، بعدَّة مراحل صعودًا وهبوطًا في ظلِّ الحرب الباردة وما بعدها، وقد كان الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا يرجع إلى ما قبل قيام إسرائيل "كدولة" في مايو 1948، وذلك عبر الادِّعاءات التاريخية التي روَّجتها الحركاتُ الصهيونية من خلال الكتابات التي تناولت المعاناة التي مرَّ بها الأفارقة، والاضطهاد الذي عانى منه "الشعب اليهودي"، وأن كلًّا منهما يسعى للخلاص والتحرر؛ ممَّا يؤكد محورية إفريقيا لدى صانع القرار الخارجي لسياسة إسرائيل، وأنه على مدار تاريخها كانت إفريقيا محورًا هامًّا في السعي الإسرائيلي الحثيث نحو البحث عن الشرعية السياسية، ولعب دَور إقليمي ودَولي يساعدها في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي.

ويضيف عادل "تبنَتْ إسرائيلُ في بداية الاهتمام بالقارة الإفريقية سياسةً توظيفيةً تقوم على أساس التعاون مع الاستعمار الغربي للقارة والاستفادة منه، كما أقامت علاقاتٍ جيدةً في تلك المرحلة مع الدول الحديثة الاستقلال. وتصاعد الاهتمامُ السياسيُّ بالقارة بشكل كبير بعد عام 1955، وذلك على أثر انعقاد مؤتمر "باندونج" الذي كان من بين أهدافه مقاطعة إسرائيل؛ ولذلك تبنَّت إسرائيل سياسةً تقوم على توظيف القوى الاستعمارية القديمة للقارة الإفريقية في تعزيز وجودها الاقتصادي، وكانت دول القرن الإفريقي من بين المناطق التي شغلت اهتمام صنَّاع القرار الإسرائيلي، وعملت على استخدام هذه القوى في ضرب الوجود العربي هناك، بل ساعدت الدولَ الإفريقية في الحصول على تمويلات وقروض خارجية من البنوك الدولية الكبرى.

ويؤكد أن إسرائيلُ وظَفت المعوناتِ والقروضَ المقدَّمةَ من بعض الدول الأوربية الصغرى، كالسويد والدِّنمارك وسويسرا، عن طريق الدخول معها في شراكاتٍ اقتصادية، وتوجيه هذه الأموال ناحية دول بعينها، وعلى رأسها إثيوبيا. بالإضافة إلى ذلك، فتحت فرنسا لإسرائيل حريةَ العمل في ميناء جيبوتي وميناء داكار بالسنغال لدعم نشاطها. كما سمحت لها بإقامة علاقات وثيقة مع مستعمراتها في الغرب والدخول معها في تعاملات اقتصادية.

ويكشف عادل أن إسرائيل سعت عبر مراحل تاريخها إلى الحفاظ على وجودها في القرن الإفريقي؛ لما له من أهمية كبرى في استراتيجيتها الأمنية والسياسية. ووظَّفت في سبيل تحقيق ذلك إثيوبيا للعمل معها في الحفاظ على هذا الوجود، خاصة بعد الْتقاء مصالحهما معًا، والمتمثلة في مواجهة أيِّ وجود عربي على البحر الأحمر، وبخاصة المصري، فكان ترجمة ذلك حرص إسرائيل على إقامة علاقات مع إثيوبيا بأي وسيلة كانت، وهو ما تُرجم في العلاقات السرية التي جمعت بين الجانبين بعد حرب أكتوبر 1973. ومن جانب آخر وظَّفت إسرائيل وسائل القوة الناعمة في التوغُّل داخل إفريقيا والقرن الإفريقي بشكل عام من خلال إنشاء المراكز التدريبية كمراكز جبل كارمن، ودراسة الاستيطان، والمعهد الأفروآسيوي للهستدروت الذي يهتمُّ بالأنشطة العمالية، قسم التدريب الأجنبي بوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي يهتم بالتنمية الإفريقية، بالإضافة إلى دعم رجال أعمال يهود لديهم جنسيات تلك الدول.

ويلفت عادل إلى أن إسرائيل اعتمدت في محدداتها السياسية تجاه إثيوبيا على مجموعة من الأساليب والسياسيات التي عملت من خلالها على ضمان إنجاح تحركاتها في إثيوبيا، بدايةً من نهاية الحرب الباردة وحتى الآن، وهو ما وثَّقته وزارة الخارجية الإسرائيلية في تقريرٍ لها صدر عام 2003، وصفت فيه العلاقة مع إثيوبيا على أنها واحدة من أهمِّ العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، وبأنَّ إثيوبيا واحدة من الدول التي لا بدَّ أن تحظى باهتمام خاص من إسرائيل، حيث منحتها صفة الدولة ذات الأولوية في المساعدات الاقتصادية والعسكرية. كما أنَّ إسرائيل اهتمَّت منذ نهاية الحرب الباردة بتوظيف الأسس الجديدة في ممارسة النفوذ على أساس التطور التكنولوجي والاقتصادي في التوسع داخل الدول الإفريقية؛ ممَّا يؤدِّي إلى رفع رصيدها على الساحة السياسية الدولية. ولا تزال الإثنية عاملًا أساسيًّا في التطورات الداخلية في إثيوبيا؛ الأمر الذي دفع إثيوبيا نحو البحث المستمر والدائم عن طرف خارجي قادر على حماية النظام الحاكم لمواجهة هذه الإشكالية.

ويلاحظ أن إسرائيل وظفت الأساطيرَ التاريخية حول علاقتها بإثيوبيا ويهود الفلاشا في التقارب مع إثيوبيا، وحث يهود الفلاشا على الهجرة إليها. ولكن، على الرغم من ذلك، فإنَّ يهود الفلاشا في إسرائيل ما زالوا يعانون من مشاكل عنصرية كبيرة تفاقمت في السنوات الأخيرة.لم تتأثر السياسةُ الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا بالقطيعة التي فُرضت عليها عقب حرب أكتوبر 1973، بل إنها سارت على نهج الحفاظ على مصالحها، بغضِّ النظر عن طبيعة وأيديولوجيا النظام السياسي الإثيوبي، حيث كانت السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا في فترة السبعينيات ثابتةً، بالرغم من تحوُّل النظام الإثيوبي نحو الاشتراكية بقيادة "منجستو هيلامريام"، إلا أنَّ التعاون العسكري والاقتصادي ظلَّ قائمًا بين الجانبين.

ويحذر عادل من التعاون الأمني بين إسرائيل وإثيوبيا، ويقول "مثَّل التعاون الأمني بين الجانبين قديمًا وحديثًا محورًا أساسيًّا بين الطرفين. وقدَّمت إسرائيل الدورات التدريبية للأجهزة الأمنية في إثيوبيا، ولعب الموساد دَورًا في تدعيم منظومة الأمن الإثيوبية. ويأتي ذلك من خلال التوجُّه الإسرائيلي الذي ينصُّ على أنَّ أمن إسرائيل لا يتوقَّف فقط عند حدود أمنها المكاني، فهي تسعى إلى تطوير نظريتها الأمنية من أجل القضاء على التهديدات الداخلية والخارجية لأمنها، وهذا ما يفسِّر سياستها تجاه القرن الإفريقي لتحقيق مطامعها التوسعية على حساب الأمن القومي العربي، وانتهاج سلوك مُعَادٍ للعرب يضمن أمنها القومي من خلال: أولا النفاذ إلى دول القرن الإفريقي: التي تُعَدُّ العمقَ الاستراتيجيَّ للدول العربي؛ لإثارة المتاعب والتهديدات لها. وثانيا خلق وجود عسكري فعَّال في المنطقة لتحقيق التفوُّق والسيطرة على البحر الأحمر ودول حوض النيل.

ويشير إلى أن إسرائيل منذ نهاية الحرب الباردة عملت على تدعيم المحدد الديمغرافي في سياستها الخارجية، بهدف جلب اليهود حول العالم. وأَوْلَت يهود الفلاشا في إثيوبيا اهتمامًا واسعًا، فالإحصائيات أوضحت أنَّ حوالَي 20% من إجمالي المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، خلال الفترة من 1948 إلى 1999، هم من القارة الإفريقية. ولعبت السياسةُ الإسرائيلية دورًا كبيرًا في تشجيع هجرة اليهود لإسرائيل، ولا سيَّما ذلك الدور الذي تقوم به الوكالة اليهودية في توطيد علاقتها بالجاليات اليهودية، وجعلها أداةً لتنفيذ سياستها في القارة الإفريقية بأكملها، حيث يتمُّ استغلال المهاجرين لإسرائيل كعمالة رخيصة، فضلًا عن تجنيد بعضهم في جيش الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا تسعى إسرائيل إلى توظيف الجاليات اليهودية بها، لتحقيق مصالحها. وكذلك، فإنَّ تشجيع إسرائيل للهجرة، يهدُف إلى معالجة الاختلال السكاني الذي تواجهه إسرائيل مقارنةً بالأقطار العربية. ومن ثَمَّ، شكَّلت الهجرة اليهودية إحدى الدعامات الرئيسية لتدعيم أمن ووجود دولة إسرائيل.

ويرى أن الهدف الإسرائيلي الأبرز في إثيوبيا هو محاولة السيطرة على مياه النيل عبر تصعيد الخلافات بين إثيوبيا ومصر، بل ودول حوض النيل ككل، وفتح مشاريع اقتصادية وتعاون أمني ومشروعات أخرى ثقافية وديمغرافية لتمكين رأس المال الإسرائيلي من كافة مناحي الحياة في إثيوبيا. وفي حالة استمرار وتيرة السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إثيوبيا في التصاعد، فإنه من المتوقَّع أن تتحوَّل منطقة البحر الأحمر وشرق إفريقيا بالكامل إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة بدعم أمريكي، وقد تَزيد إسرائيلُ مستقبلًا من التعاون العسكري مع إثيوبيا، خاصة أنَّ صنَّاع القرار في إسرائيل يتَّجهون إلى التركيز على ضرورة زيادة وتيرة التعاون العسكري والأمني مع إفريقيا، وبخاصة في الشرق الإفريقي، ويتوقَّعون أنَّ هذه الدول سوف تلجأ إلى التعاون المخابراتي والتدريب على أيدي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

يوضح الكتاب إنَّ الأهداف الأربعة لإسرائيل في القرن الإفريقي من الناحية الأمنية ستظلُّ محلَّ ثبات دون تغيُّر، وهي: أولا توسيع الوجود العسكري والأمني الإسرائيلي، وترسيخ مصالحها وتأمينها بما يتيح لها من إمكانات الهجوم المباشر على العرب، إذ لزم الأمر مستقبلًا. وثانيا إيجاد عمق استراتيجي في البحر الأحمر يتيح لإسرائيل رصدَ أي نشاط عربي في المنطقة. ثالثا ضمان الوجود الدائم للقدرات العسكرية البحرية لإسرائيل والربط بين المحيط الهندي والبحر المتوسط عن طريق البحر الأحمر والطرق البرية من إيلات إلى حيفا وعسقلان وقناة السويس.رابعا حماية حرية تجارة إسرائيل الخارجية مع البلدان الأفروآسيوية عن طريق الحفاظ على حرية الحركة للتجارة في المنطقة.

وضمن توصياته يرى عادل أهمية أن تكون منطقة حوض النيل ذات أولوية بالغة في الاستثمارات الاقتصادية المصرية، وأن تفتح الدولة المصرية الطريقَ أمام الشركات العامة وشركات القطاع الخاص، للعمل وبقوة في هذه الدول، بل تقدم لها حوافز تشجيعية على ذلك. والانتباه للوسائل والأدوات التي تستند إليها إسرائيل في سياستها تجاه دول بعينها، وفي مقدمتها إثيوبيا، التي تُعَدُّ من أهم الدول الإفريقية في نظرية "شد الأطراف" التي تتبعها إسرائيل في تحرُّكاتها السياسية والأمنية، نظرًا لعدة مزايا تقدمها إثيوبيا لتحقيق أهداف إسرائيل السياسية والأمنية والخطط المستقبلية لدولتها المزعومة "إسرائيل الكبرى"، إذ تقدِّم إثيوبيا لإسرائيل ورقةً رابحة في مواجهة مصر؛ هي ورقة المياه، عبر تحريضها على إقامة سدود وغيرها على مجرى النيل؛ ممَّا يمثِّل تهديدًا حقيقيًّا لمصر والسودان، وبالتالي تفوُّق إسرائيل على واحدة من أهم الدول العربية التي تشكل خطرًا وجوديًّا عليها، وهي مصر. ومن جانب آخر تعزيز الوجود الأمني العربي، وبخاصة المصري، في القرن الإفريقي؛ نظرًا لأنَّ هذه المنطقة تتزايد أهميتها بشكل متصاعد؛ وبالتالي فإنَّ وجود إسرائيل في هذه المنطقة من القارة يعني خلق مزيد من الصراعات وتضييق الخناق على الدول العربية. ويمكن أن يتحقَّق هذا التعاون عبر إجراء مناورات وتدريبات مشتركة بين جيوش هذه الدول والدول العربية؛ الأمر الذي سيزيد من درجة التعاون الأمني، على أن تتولَّى مصر هذه المهمة لما لها من خبرة أمنية وعسكرية قوية؛ نظرًا لقدراتها القوية في المجال العسكري والأمني.
--------------------------
تقرير: محمد الحمامصي