01 - 05 - 2025

فدوى مواهب والواعظ ماهر صموئيل وشيخ الأزهر الإمام الشناوي

فدوى مواهب والواعظ ماهر صموئيل وشيخ الأزهر الإمام الشناوي

منذ فترة ليست ببعيدة كتبت "بوست" على الفيس بوك .. حقيقة الأمر لست متذكرا هل كان "بوست" أم فيديو قمت بمشاركته؛ عموما البوست أو الفيديو كان للفنانة المعتزلة الأستاذة "فدوى مواهب"، وهذا هو لقبها على السوشيال ميديا.

وقتها كانت تقول في الفيديو: أن لو بنت (أي بنت) قاعدة قدام مامتها بالهوت شورت ده يبقى عورة!.

حاولت بكل ما أوتيت من قوة أشرح وأبين وأفسر وأوضح أن الكلام ده غريب ومستغرب علينا وعلى ثقافتنا؛ بمعنى آخر أنا لا أنفي هذا الكلام؛ لكنه لا يناسب البيئة المصرية المحافظة الملتزمة والمرحة في نفس الوقت.

وقتها لم يرق كلامي لبعض الأفاضل ممن اعتز بهم وبصداقتهم، وكانت منهم إحدى تلميذاتي، ودارت بيننا مناقشة ساخنة جدا؛ هم تمسكوا برأيهم، وأنا تمسكت برأيي وتباعدنا أو هكذا أظن.

ومازلت عند رأيي، وها هي الأيام يوما بعد يوم تثبت صحة ما قلته؛ وعلى رأي الفاجومي عم أحمد فؤاد نجم: يا أهل مصر المحمية بالحرامية الفول كتير والطعمية والبر عمار .. وهيفضل البر عمار  بفهمنا السوي الوسطي للدين.

دعونا نتفق على أن أي دين له أهداف عامة، وأهداف خاصة؛ أي دين له فلسفة واضحة، ونهج واضح، وطالما وجدت تفسير هذا النهج، وهذه الفلسفة "حدف" بيك بره السواء النفسي، والفطرة الإنسانية السوية السليمة؛ اعلم أن هذا التفسير به أزمة كبيرة، ومشكل أكبر، وسواء كان هذا التفسير عن جهل؛ أو كان تفسيرا مغرضا؛ ففي كلتا الحالتين ستكون النتيجة واحدة.

أين إذن الأزمة؟

الأزمة لها أسباب كثيرة أهمها في تقديري طريقة تعاملنا مع من قام بالتفسير؛ نصنع منه إلها نقدسه؛ نبجله، ونضعه فوق العلماء والمكتشفيين؛ نمزق كل من اقترب منه، وكأن تفسيره أصبح إنجيلا وقرآنا!

مع العلم أن الدين هو الثابت؛ هو المقدس، والتفسيرات لا هي ثابتة ولا هي مقدسة؛ حتى الأديان المقدسة أصبحت حاليا عرضة للطعن؛ خاصة في زمن السوشيال ميديا، والتي أصبحت كابوسا مرعبا لفريق المتدين بطبعه؛ خاصة وأن الزمن تجاوز تقديس التابوهات الثلاثة (الدين - السياسة - الجنس) وأصبح الفيس بوك ملعبا ومسرحا لأي نقاش مها كان.

السبب الثاني: هو المتلقي؛ فلو حاول نفر من عموم الناس التفكير في كلام المفسر سيفكر على استحياء، ولو اكتشف أن كلام هذا المفسر كلام مغلوط ستجده يكابر ويعاند، ولو أجبر على الاعتراف بخطأ المفسر؛ سيعترف على مضض؛ بمنطق (متقولش قدامهم) وهنا جوهر الأزمة التي نعيشها في واقع تعس، وواقع افتراضي رحب.

وهو ما كشفه أزمة الأستاذة "فدوى مواهب"؛ فالواقع التعس العنصري يؤيدها، وواقع الفيس بوك يطالب بترحيلها، والتهم عديدة (تشويه الدين - الأضرار بسمعة مصر - محو هويتنا) إلى آخر هذه السهام الفيس بوكيه، والتي وصلت للمطالبة بسحب جنسيتها.

الأستاذة "مواهب" لها فيديو، وبوست منتشر تقول فيه أن الدين عند الله الإسلام لا يوجد دين مسيحي ولا دين يهودي.

وهذا كلام صحيح من المنظور الإسلامي، وغير صحيح من المنظور المسيحي؛ إذن هي لم تخطيء، ولو فرضنا أنها أخطأت إذن فلنحاسب (اللي عندنا الأول، واللي نازلين طحن في بعض) وخلقوا حالة عداء مجتمعي بين أبناء الوطن الواحد.

الأستاذة فدوى مواهب شيرت فيديو لتماثيل قدماء المصريين، وكتبت عليه بعض آيات من القرآن الكريم، وقامت قيامة الفيس بوك لهذا الفهم الخاطيء، ولخلط الأوراق، وأيضا أكرر "فدوى مواهب" ما هي إلا عرض لمرض؛ فما قامت به "مواهب" قام به الكثيرون قبلها؛ فالأولى محاسبة الكثيرين.

الأستاذة "فدوى مواهب" هي التجسيد الأمثل للتصريحات المنسوبة لولي العهد السعودي بن سلمان، والتي قال فيها: إن دعم بلاده للفكر الوهابي كان استجابة لطلب حلفائها الغربيين، ولم يكن قناعة ذاتية.

وسواء كانت التصريحات حقيقية أو ملفقة فهي الحقيقة، وهنا مربط الفرس؛ هنا انقلب السحر على الساحر؛ هنا ظهر شغل التلات ورقات، واتضح شغل حلق حوش، وظهرت الحقيقة المرة التي جعلت بلد الحضارة عرضة لرمال الصحراء المملوءة برياح الأفكار المغلوطة؛ رياح مملوءة بأفكار  غريبة ومستغربة علينا وعلى ثقافتنا.

دعني اضرب لك بعض الأمثلة نختتم بها هذا المقال:

مؤكد انك في يوم من الأيام صادفت صورا ومقالات لشيوخ من الأزهر وهم ممسكين بعود ويقومون بالعزف والغناء؛ فما بالك بشيخ الأزهر نفسه فضيلة الإمام الأكبر محمد مأمون السيد أحمد الشناوي، وبحسب ما كتبه الناقد طارق الشناوي؛ يكون فضيلته عم الشاعرين الأخوين مأمون الشناوي، كامل الشناوي.

كان للشاعر مأمون الشناوي صولات وجولات مع سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم؛ فعندما كتب لها أغنية جديدة تقريبا أغنية (بعيد عنك) والتي نجحت نجاحا كبيرا، وبلغة السوق (كسرت الدنيا)، وأصبح الجمهور يرددها ليل نهار، وقتها قام مشايخ الأزهر بتهنئة فضيلة الإمام على أشعاره؛ فوضح لهم أنها ليست أشعاره؛ بل أشعار ابن أخيه.

هل لاحظت شيئا؟

هل لاحظت السماحة والرحابة والتصالح مع النفس؛ فلا هو نفى وتبرأ من الشعر والأغاني، ولا هم غضوا بصرهم؛ بل استمعوا لأم كلثوم، وذهبوا ليهنئوه؛ فلا مزايدة ولا معاندة؛ هكذا كانت الأمور إلى أن وصلت لما نحن عليه الآن .. الفن حرام!

هل أدركت الأزمة من هذا البون، وهذه الفجوة الفكرية التي اتسعت مع  الزمن بفضل رمال الصحراء التي هبت علينا وانبطحنا لها.

ما قامت به فدوى مواهب، وهو نفس ما يقوم به القس زكريا بطرس، وهو نفس ما قام به الواعظ المسيحي واستشاري الطب النفسي ماهر صموئيل، والذي سبق وانتقد كلمات أغنية (كلي ملكك) للفنانة شيرين؛ حيث وصف كلمات الأغنية بالهرطقة؛ وقتها كتبت على صفحتي الفيس بوكيه وقلت إن د. ماهر صموئيل يهرطق فنيا.

فلا هو استند للمجاز، واللغة العربية لغة المجاز، ولا ارتكن للتشبيه والاستعارة، ولا لأي شيء؛ هو ضرب بكل قواعد الشعر عرض الحائط، وألقى بتهمة جاهزة؛ مع العلم أن النصوص الدينية لو قرأت بنفس منطق "صموئيل" ستكون العواقب وخيمة، ولنا في سفر نشيد الانشاد خير مثال؛ فهذا السفر تحديدا له طبيعة خاصة؛ فمن ناحية هو سفر من الأسفار الشعرية، ومن ناحية أخرى لم يكتب باللغة العربية، ومن ناحية ثالثة يحتاج إلى قراءة متأنية خاصة وأنه يقوم على التورية؛ فلا يستقيم قراءته بشكل سطحي مباشر.

كلهم يشبهون بعضهم البعض؛ كلهم على حد تعبير الفيلسوف المصري د. مراد وهبة (ملاك الحقيقة المطلقة).

دعني أقولها بكل صراحة سيظل الصراع الأبدي بين أهل الدين وأهل الفن وأهل السياسة قائما إلى يوم الدين؛ فهم أخطر ثلاث فئات في أي مجتمع.
-----------------------
بقلم: مينا ناصف


مقالات اخرى للكاتب

فدوى مواهب والواعظ ماهر صموئيل وشيخ الأزهر الإمام الشناوي