في محاولة بالغة الجرأة وربما التهور حاول ترامب اقتلاع روسيا من الشرق وزرعها في الغرب على نحو ما فعل رونالد ريجان ممثل هوليود الشهير ورئيس الولايات المتحدة الإمريكية الأسبق ورفيقته مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك الملقبة بالمرأة الحديدية مع جورباتشوف رئيس الإتحاد السوفيتي في عام 1989، وأثروا عليه إلى أن انتهى الأمر فيما بعد (عام1991) في تفكيك الإتحاد السوفيتي القوة العظمى الثانية التي كانت تنافس الغرب على كرسي عرش العالم، ونجحوا في ذلك أيما نجاح فسقط سور برلين وعادت المانيا الشرقية الى حضن المانيا الغربية وذهبت المجر الى حال سبيلها هي وتشيكوسلفاكيا ويوغسلافيا وازبكستان .. الخ ثم جاء موريس يلتسين وبعده جاء بوتين رجل المخابرات القوي الذي يحاول منذ توليه الحكم جمع أشلاء الاتحاد السوفيتي الذي انفرط عقده اثناء حكم يلتسين أملاً في أن يعيد روسيا إلى مجدها القديم، وعلى الطريق اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية التي لم تكن إلا صداما بين الشرق والغرب ومرت ثلاث سنوات بلا حسم، ورأى تاجر العقارات وهو يقف فوق برج من أبراجه الشاهقة الأرتفاع أن بإمكانه وقف هذه الحرب بإجراءات من خارج الصندوق وكأي تاجر (ميت القلب) دفع مبلغاُ باهظا كدفعة مقدمة تمثلت في:
أولاً / باع أوكرانيا برخص التراب
1- حرمها من المعلومات التي تبثها الأقمار الصناعية الامريكية وتحدد مواقع القوات الروسية بما يساعد الجيش الاوكراني.
2- أذل رئيسها بقوله انت تعرف أنك لا تستطيع مواصلة الحرب بدون الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أننا دفعنا لك ما يزيد على 300 مليار دولار فماذا كانت النتيجة؟ قواتك الآن محاصرة في كورسك.
3- لم يقف عند هذا الحد، بل طلب من زيلسنكي رئيسها سداد هذا المبلغ من خلال توقيعه على اتفاقية تعطي للولايات المتحدة الحق في استغلال ( المعادن النادرة ) وكل هذا في جلسة مذاعة على الهواء.
4- أوقف تقديم الأسلحة والذخائر الأمريكية بالغة التقدم.
ثانيا / أظهر ما ينم عن زهده في التحالف مع الأوربيين
1- هدد بالانسحاب من حلف النيتو
2- طالبها بتحمل نفقات الدفاع عن نفسها فأصبح على كل دولة من دول أوروبا زيادة نسبة الإنفاق العسكري من 2 % إلى 5% من الناتج القومي.
3- تتولى انجلترا وفرنسا (الدولتان النوويتان) القيام بما يلزم للدفاع عن أوروبا في حالة نشوب حرب نووية وهو ما كان من المفترض أن تقوم به الولايات المتحدة.
4- هدد باتخاذ العديد من الإجراءات الجمركية التي يمكن أن تؤثر بالسلب على اقتصاد الدول الأوروبية
5- رفض رفضاً باتاً وجود مظلة نووية فوق بولندا (المتاخمة للأراضي الروسية مجاملة لروسيا)
قدم كل ذلك لبوتين دون أن يسمع منه كلمة واحدة، تنم عن تقديره لهذه العطايا، وكانت المفاجأة المدوية هي اجتماع بوتين مع حليفتيه إيران والصين، أمس 14 مارس، بحجة مناقشة النزاع القائم بين ايران والولايات المتحدة بخصوص تخصيب اليورانيوم، ولا أظن أن هناك في العالم من أخذ هذه الحجة على محمل الجد، وأن المقصود من هذا الاجتماع وفي هذا الوقت بالذات إرسال رسالة لترامب تقول إن روسيا لا تترك حلفاءها (الصين وايران) بنفس السهولة التي تترك فيها حلفاءك (أوروبا) وكأنه يقول لترامب عد لسوق العقارات، فسوق السياسة يعمل بطريقة مختلفة، وكما هو واضح رفض بوتين الانتقال من الشرق إلى الغرب في طائرة يقودها ترامب لأنه ليس من المستبعد أن يلقي به من الطائرة.
والنتيجة أن بوتين أخذ كل شيء ولم يعط أي شيئ غير وعد مراوغ بوقف القتال بعدة شروط، منها استسلام الجنود الاوكرانيين مع تسليم أسلحتهم / وهم كما هو معروف جزء من الجيش الأوكراني الذي احتل كورسك الاقليم الروسي بهدف مقايضته بأراض أوكرانية تحتلها روسيا إن حدثت مفاوضات لإنهاء الحرب وهنا تطوع ترامب بطلب الرحمة بهؤلاء الجنود المحاصرين بواسطة القوات الروسية، وأظهر بوتين رقة قلب لا أظن أنها من طباعه ووعد بمعاملة الجنود معاملة طيبة / لكن لا يفوتنا تقدير الجائزة الكبرى التي سيحصل عليها بوتين وهي انتهاء الحرب بنتائجها المتوقعة، ومن ضمنها تأكيد شرعية امتلاك روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية إلى جانب اقتطاع ما لذ وطاب من أربعة أقاليم أوكرانية - إن لم يكن كلها- تحتلها روسيا الآن، ويضاف وقف العقوبات الأمريكية والأوروبية التي وقعت على روسيا من قبل، والأكثر والأهم من كل ذلك اعتراف الغرب والعالم بانتصار روسيا في حربها الظالمة على بلد كل ذنبه أنه أراد ينعم بحريته وسيادته على كامل أراضيه ولا يمكن أن نغفل أهمية وثيقة الانتصار العلنية، هذه التي سيهديها ترامب لصديقه (بوتين) كي تتاح نسخة منها لكل روسي ذاق مرارة فقد ابنه أو ذاق آلام فقد ذراعه أو ساقيه، وكأن صورة من تلك تعلق في صالون بيته ستهون عليه تلك الآلام المبرحة، ومن ثم يتركون بوتين على عرش روسيا حتى نهاية عمره /علي أي حال الكرة الآن في ملعب بوتين والعالم كله يحيط بالملعب في انتظار نتيجة هذه المباراة الدموية.
ومع ذلك فالمفاوضات لم تبدأ بعد، والنتيجة لم تحسم بعد، وكما يقال لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ولكن هناك مصالح دائمة، وبالتالي قد يغير بوتين رأيه وينتقل من الشرق إلى الغرب ليس في طائرة ترامب المحفوفة بالمخاطر وإنما في هودج سعودي أو قطري.
----------------------------
بقلم: فتحي عبدالغني