لم يكن حادث اصطدام سيارة سائق ميكروباص بسيارة زوجة ضابط شرطة بالمعاش مجرد حادث مروري عابر، بل كان انعكاسًا لواقع أعمق يكشف طبيعة العلاقات في المجتمع. لم يكن الأمر مجرد خلاف شخصي، بل كان صورة مصغرة لخلل أكبر في ميزان العدالة، حيث يشعر المواطن العادي بأنه الحلقة الأضعف أمام النفوذ والسلطة.
القوة حين تغيب العدالة
في مشهد متكرر، اتصلت السيدة زوجة الضابط بالمعاش بزوجها لياتى برفقة أبنائها، وقاموا بالاعتداء على السائق وإهانته وتحطيم سيارته أمام أعين الناس الذين اكتفوا بالمشاهدة. هذه ليست مجرد واقعة فردية، بل نموذج لحالة اجتماعية تعكس شعور البعض بامتلاك نفوذ يتجاوز سلطة القانون، ويكرس ثقافة قائمة على القوة بدلاً من العدالة.
هذه الحوادث لم تعد استثناءً، بل باتت جزءًا من مشهد يومي يتكرر في الشوارع والمصالح الحكومية وحتى داخل المؤسسات الاقتصادية. عندما يكون القانون غائبًا أو منحازًا، تصبح القوة هي المعيار الوحيد، ويصبح أصحاب النفوذ هم من يقررون من يُحاسب ومن يُترك بلا عقاب.
معادلة غير متوازنة
الواقع يشير إلى أن هناك فئات تشعر بأنها محصنة ضد المحاسبة، في حين يجد المواطن العادي نفسه محاطًا بالتحديات والمخاطر دون حماية كافية. هذه الفجوة في الشعور بالأمان والحقوق تؤدي إلى تآكل الثقة في العدالة، وتجعل البعض يشعرون بالإحباط واليأس من إمكانية تحقيق المساواة.
الأخطر من ذلك، أن استمرار هذه الظواهر يعزز حالة الاحتقان الشعبي، ويؤدي إلى تفاقم الغضب الكامن تحت السطح. إن الإفلات المستمر من العقاب لا يعني أن الناس قد استسلموا، بل يعني فقط أن لحظة الانفجار لم تحن بعد. على السلطة ألا تراهن على صمت الناس إلى الأبد تجاه الإهانة وهدر الكرامة، فالتاريخ يؤكد أن الصبر له حدود، وأن التراكمات قد تؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه.
أزمة صمت المجتمع
إلى جانب ذلك، فإن عدم تدخل المارة أو محاولتهم إيقاف ما يحدث يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا؛ فهناك حالة من الخوف، وربما اللامبالاة، تجعل الكثيرين يفضلون الصمت على المواجهة، وهو ما يساهم في استمرار هذه الظواهر دون رادع حقيقي. لكن الأهم أن هذا الصمت ليس علامة على القبول، بل هو تراكم آخر في سجل المظالم، قد ينفجر في أي لحظة وبشكل غير متوقع.
البيانات الرسمية... صبّ الزيت على النار
إحدى أكثر الممارسات التي تثير غضب الناس هي البيانات الرسمية التي تصدر فور وقوع الأحداث، حيث تكون مليئة بالتبريرات الجاهزة التي تسبق أي تحقيق حقيقي. هذه البيانات لا تُقنع أحدًا، بل على العكس، تزيد من الاحتقان وتخلق فجوة أعمق بين الدولة والمواطنين.
على الجهات الرسمية أن تدرك أن إصدار بيانات مستفزة قبل أي تحقيق جاد لا يخدم الاستقرار، بل يغذي الشعور بالظلم. فبدلاً من الدفاع الأوتوماتيكي عن المتورطين، ينبغي أن يكون هناك التزام بإجراء تحقيقات شفافة تُعيد الثقة المفقودة في العدالة.
البحث عن حلول قبل فوات الأوان
لا شك أن إصلاح هذه الاختلالات يتطلب تعزيز سيادة القانون، بحيث يشعر الجميع، بغض النظر عن مناصبهم أو مواقعهم، بأنهم متساوون أمام العدالة. كما أن نشر ثقافة حقوق الإنسان، وضمان وجود آليات فعالة لحماية المواطنين من أي تجاوزات، هو السبيل الوحيد لتعزيز الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة.
كذلك، يجب التوقف عن استفزاز الناس بالصمت على ممارسات تجاوز القانون المحمية، فغياب المحاسبة يشعر المواطن بأن الظلم أصبح قاعدة وليس استثناء، وأن القانون لا يُطبَّق إلا على الضعفاء. استعادة الثقة تتطلب أفعالًا حقيقية، لا مجرد وعود وتصريحات عابرة.
الخاتمة: هل من مخرج؟
المسألة ليست في حادثة فردية، وليست مجرد خطأ وقع من ضابط سابق أو رجل أعمال أو مسؤول. المشكلة الحقيقية هي أن هذا أصبح نظامًا قائمًا، لا يرى الشعب إلا كأداة، ولا يرى نفسه إلا كأسياد يتحكمون في مصير الجميع.
واليوم، قد يظن البعض أنهم بعيدون عن هذا الظلم، لكن الحقيقة أنهم جميعًا في الطابور، ينتظرون دورهم ليكونوا الضحية القادمة. السكوت على الظلم اليوم لن يحمي أحدًا غدًا.
لقد أكلوا الثور الأبيض، والآن جاء دور الجميع.
-----------------------
بقلم: عز الدين الهواري