01 - 05 - 2025

نحن والغرب |"أُمَّة في ثلّاجة التاريخ.. بينما الآخرون في المريخ!"

نحن والغرب |

في الوقت الذي تسبح فيه مختبرات الغرب في الفضاء بحثًا عن كواكب صالحة للحياة، نسبح نحن في مستنقع الخلافات التي تعود لعصور ما قبل الدولة، بل ما قبل التاريخ نفسه. ففي حين يُرسل الغرب مسابير إلى المريخ، نُرسل نحن رسائل صوتية في مجموعات "واتساب" لنُحدد مَن الكافر ومَن المؤمن، ومَن يستحق الجنة ومَن يستحق الحرق في قاع الجحيم، حسب اجتهادات مشايخ لا يعرفون الفرق بين الجاذبية الأرضية وسحب البساط من تحت أرجل العوام.

في بلاد تُخترع فيها أجهزة تُحوِّل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين على سطح المريخ، نُعيد نحن اختراع العجلة في كل انتخابات عشائرية، حيث يتناطح الكبار ويتزاحم الصغار على الفتات، في سباق أبدي لإعادة إنتاج القبيلة بوجوه جديدة، لكن بعقليات لم تتغير منذ عصر ما قبل الجمل وما بعد البعير.

في أوروبا، الطفل في المدرسة يُدرب على البرمجة والذكاء الاصطناعي، بينما طفلنا العربي يتدرب على حفظ "أنساب القبائل" عن ظهر قلب، ليعلم لاحقًا أنَّ ابن خالته لا يجوز أن يُناسب ابن عمّه لأن "الجد السادس قد تشاجر مع جدٍّ من قبيلة أخرى". وعليه أن يُدرك أن ولاءه الأول ليس للوطن، بل "للعائلة الممتدة"، لأن الأرض والعلم لا قيمة لهما أمام "مجالس الصلح العرفية" التي تحل محل القضاء، وتقضي على ما تبقى من عقل.

وحين يتظاهر أبناء العالم المتحضر للمطالبة بحقوقهم في التعليم والصحة والبحث العلمي، نتظاهر نحن ضد فيلم كرتوني أو مسلسل "تطاول على التراث"، ونجتمع في ديوان شيخ القبيلة لنناقش كارثة "شرفية"، بينما تستنزف البيروقراطية جيوب الفقراء وتُعاد صياغة قوانين تمنع الأسئلة المحرجة عن الفساد، لأن "الحشمة السياسية" أولى من الشفافية.

وفي لحظة احتفال "ناسا" باكتشافٍ علميٍّ جديد، نحتفل نحن بمرور ذكرى معركة بين "حزبين" من العصور الوسطى، نُعيد تمثيل تفاصيلها وكأنها حدثت بالأمس، ونجعلها مُحركًا للصراعات الحالية. يُعلن أحدهم أنَّ جده كان من جند هذا الفريق، ويرد عليه آخر بأن "قبيلته" كانت مناصرة للآخر، ثم يُفتح السجال وكأن المعركة ما زالت تُخاض، وكأن العالم لم يتغير، وكأننا لم نعد مجرد كومبارس في فيلم رديء تُديره قوى لا ترانا سوى كقطع شطرنج على رقعة الشرق الأوسط. ونظل نُردد: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!"، ولا ندري أي رسالة نقصد؟ رسالة التقوقع في الماضي؟ أم رسالة العراك الأبدي حول مَن الأحق بالحكم بناءً على أحداث جرت قبل ألف وأربعمئة عام؟ أم هي رسالة البحث عن المؤامرة في كل زاوية، بدلًا من البحث عن أسباب فشلنا الذريع في كل المجالات؟

بينما يبحث علماء الغرب عن كواكب صالحة للحياة، نبحث نحن عن "المدفون" في المقابر القديمة، وعن "عروق الذهب" في الجبال بطرق بدائية، وعن فتوى تُبرر لنا لماذا نعيش على هامش الحضارة. نعم، نحن أمة كانت عظيمة، لكننا اليوم لا نستحق حتى أن نكون سطرًا في كتب التاريخ الحديث، لأننا مشغولون بتقسيم أنفسنا إلى طوائف وعشائر، بينما الآخرون مشغولون بتقسيم الذرة وتصنيع روبوتات تغزو الفضاء.

.. وبينما يكتب علماء الغرب نظريات جديدة تُغير فهمنا للكون، نكتب نحن منشورات فيسبوكية نُعلن فيها مقاطعة مسلسل أساء إلى "تراث القبيلة". وبينما يُرسِل الغرب روبوتات تلتقط صورًا للكواكب البعيدة، نُرسل نحن بيانات استنكار وشجب لما قاله فلان عن علان في برنامج تلفزيوني. وبينما يُناقش العالم مستقبل الذكاء الاصطناعي، ننشغل نحن بنقاشات عقيمة عن صحة حديث قيل في زمن الجمال والبغال.

وفي النهاية، عندما نُسأل: "لماذا تأخرنا؟"، نُجيب بفخرٍ شديد: "إنها مؤامرة صهيونية ماسونية غربية مجوسية بوذية إلحادوية!"، ثم نُطفئ الأنوار وننام في سُباتٍ عميق، بانتظار أن يُعيد التاريخ نفسه… بينما الآخرون يصنعون المستقبل!

ونظل نغني:

"بلادُ العُربِ أوطاني… من الشامِ لبغدانِ"

ثم يقطع النشيد صوت انفجار في سوق شعبي، أو بيان جديد عن أزمة دبلوماسية بسبب مباراة كرة قدم، أو مشهد رجل يُضرب بالعصا في طابور الخبز. نرفع أصواتنا بالغضب، نتشاجر قليلًا على "فيسبوك"، ثم نعود لنومنا العميق، مُطمئنين إلى أنَّ القنوات الإخبارية ستتكفل بتغطية الأحداث، والمحللين "الخبراء" سيُفسرون لنا لماذا نحن الضحية دائمًا، ولماذا العالم يحقد علينا لأننا "خير أمة أُخرجت للناس..."!

وهكذا… نبقى في سباق محموم نحو الخلف، نلتفت إلى الوراء حتى نكاد نصطدم بالجدار، لكننا نرفض أن ننظر للأمام، لأننا نخشى أن نكتشف الحقيقة المُرَّة: أنَّ مشكلتنا ليست في المؤامرات، بل في العقول التي أُغلقت بالأقفال الصدئة، ورفضت أن تُفتح على نور العلم والتطور.

ولا عزاء للمتخلفين..،،!
--------------------------------
بقلم: محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث مصري
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

ملامحنــا لا تقول الحقيقة: عن وجع الطبقة المثقفة في زمن المسخ ..!!