في لحظة فارقة من تاريخ الأمة، تتعرض فلسطين لأبشع أنواع العدوان، حيث يشهد العالم على مجازر إبادة في غزة، وتدمير ممنهج في الضفة الغربية، وسط صمت دولي وتواطؤ بعض الأنظمة العربية. لكن الخطر الإسرائيلي لم يعد محصورًا داخل حدود فلسطين، بل أصبح تهديدًا وجوديًا لكل الدول العربية، سواء عبر القوة العسكرية أو النفوذ السياسي والاقتصادي.
ما نشهده اليوم ليس مجرد حرب، بل هو مشروع استعماري إبادي يسعى إلى محو الشعب الفلسطيني تمامًا. غزة تُدمر فوق رؤوس سكانها، والضفة الغربية تتعرض لعمليات تنكيل ممنهجة، في حين تتحدث إسرائيل بوضوح عن خطط للتهجير القسري، تمامًا كما حدث في نكبة سابقة. وإذا نجح هذا المخطط، فإن الدور القادم سيكون على العواصم العربية، التي قد تجد نفسها يومًا تحت تهديد مباشر من الاحتلال الصهيوني.
إسرائيل.. العدو المشترك الذي لا يعترف بالحدود
منذ نشأتها، لم تكن إسرائيل مجرد دولة، بل مشروع استيطاني توسعي يعتمد على القوة والهيمنة. لم تخفِ قياداتها نواياها في التمدد الجغرافي، بدءًا من احتلال فلسطين، مرورًا بمحاولات فرض سيطرتها على الدول المجاورة، وانتهاءً بالتغلغل في العمق العربي عبر التطبيع والتأثير الاقتصادي والاستخباراتي.
اليوم، تُنفذ إسرائيل عمليات تدمير شامل في غزة والضفة، رغم أن الضفة الغربية لم تكن جزءًا من أحداث سابقة، مما يثبت أن هدف الاحتلال ليس مجرد "ردع" المقاومة، بل القضاء على أي وجود فلسطيني مقاوم. وإذا نجحت في ذلك، فإن الخطوة القادمة لن تكون سوى مزيد من التدخل في شؤون الدول العربية، وربما فرض واقع استعماري جديد، كما حدث سابقًا في سيناء ولبنان وسوريا.
جرائم الاحتلال في فلسطين: تدمير ممنهج وقتل بلا حدود
القتل الجماعي والإبادة الممنهجة إسرائيل لا تخوض حربًا عسكرية بقدر ما تنفذ سياسة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. منذ بدء العدوان الأخير، كان استهداف المدنيين هو النهج الأساسي: إبادة عائلات بالكامل، حيث تُمحى أسماء عائلات فلسطينية من السجل المدني نتيجة القصف العشوائي. قتل الأطفال والنساء، والتقارير الحقوقية تؤكد أن نسبة كبيرة من الضحايا هم من الفئات الأكثر ضعفًا، مما يشير إلى أن القصف يستهدف التجمعات السكنية المدنية عمدًا. القنص والإعدام الميداني، حيث تنفذ قوات الاحتلال إعدامات ميدانية للشباب الفلسطينيين، وتستهدف أي شخص يُشتبه في مقاومته للاحتلال.
تدمير البنية التحتية: غزة لم تعد صالحة للحياة الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تدمير كل ما يمت بصلة للحياة في غزة، في محاولة لفرض تهجير قسري:
قصف المستشفيات والمرافق الصحية، مما أدى إلى كارثة إنسانية حيث لم يعد هناك أماكن لعلاج الجرحى.واستهداف المدارس والجامعات، في محاولة لمحو أي مستقبل للأجيال القادمة.
قطع الكهرباء والمياه، مما يهدد السكان بالمجاعة والأمراض الوبائية. قصف المساجد والكنائس، في استهداف متعمد لكل ما يرمز للحضارة والهوية.
التدمير في الضفة الغربية: عقاب رغم عدم المشاركة الضفة الغربية، التي لم تكن طرفًا في المواجهات الأخيرة، تتعرض لحملة تدمير ونهب وتنكيل: اقتحام المدن والقرى الفلسطينية، وتدمير البيوت واعتقال المئات من الفلسطينيين.
تفجير منازل المقاومين، حتى لو كان فيها أطفال ونساء، في سياسة عقاب جماعي وحشية. تجريف الشوارع والبنية التحتية، وتدمير المحال التجارية والمزارع، في محاولة لشل الحياة الاقتصادية للفلسطينيين.
التهجير القسري: نكبة جديدة قيد التنفيذ إسرائيل تخطط لفرض نكبة جديدة عبر تهجير سكان غزة إلى سيناء، وسكان الضفة إلى الأردن، في محاولة لإفراغ فلسطين من أهلها. ما يحدث اليوم هو تكرار لما حدث في الماضي، لكن بأدوات أكثر وحشية، وسط صمت دولي مشين.
القنابل النووية.. السلاح الذي يهدد العرب جميعًا. تمتلك إسرائيل ترسانة نووية معروفة، لكنها لا تستطيع استخدامها في غزة أو الضفة، لأن التبعات ستصل إليها أيضًا. لكن ماذا عن باقي الدول العربية؟ هل يمكن أن تُستخدم هذه الأسلحة لابتزاز الأنظمة العربية؟ هل يمكن أن تكون ورقة ضغط في أي صراع مستقبلي؟
إسرائيل لا ترى في أي دولة عربية، حتى تلك التي طبعت معها، حليفًا دائمًا، بل تعتبر الجميع أعداء محتملين يجب السيطرة عليهم أو تحييدهم بالقوة. لذلك، فإن أي وهم بأن الاحتلال يمكن أن يكون "شريكًا للسلام" هو خطأ استراتيجي سيدفع الجميع ثمنه لاحقًا.
المقاومة.. الخيار الوحيد .. التاريخ أثبت أن الاحتلال لا يهزم بالمفاوضات العبثية، بل بالمقاومة المستمرة، سواء كانت عسكرية أو سياسية أو اقتصادية. جنوب إفريقيا لم تتخلص من نظام الفصل العنصري بالمناشدات، بل بالعصيان المدني والمقاومة المستمرة حتى انهار النظام. كذلك، لم يخرج الاستعمار الفرنسي من الجزائر إلا بثورة قدم فيها الشعب تضحيات جسيمة.
المعركة اليوم ليست فقط للفلسطينيين، بل لكل العرب. كل دعم يُقدَّم لغزة هو دعم لحماية الدول العربية من خطر التمدد الإسرائيلي. وكل مقاطعة اقتصادية للاحتلال وشركاته هي خطوة نحو عزله دوليًا.
رسالة إلى الشعوب والأنظمة
إلى الشعوب: لا تنخدعوا بالدعاية التي تحاول تصوير إسرائيل كدولة طبيعية يمكن التعايش معها. هذا احتلال استيطاني لا يتوقف عن القتل والتوسع إلا بالقوة. إلى الأنظمة: لا تراهنوا على الدعم الغربي، فالتاريخ يثبت أن الدول الكبرى لا تحمي سوى مصالحها، وإذا جاء يوم قررت فيه إسرائيل ابتلاع أراضٍ عربية أخرى، فلن يقف أحد في وجهها إلا إذا وُجد ردع حقيقي.
إلى الجميع: غزة والضفة هما خط الدفاع الأول، وإذا سقطتا، فالقادم سيكون أكثر خطورة على الجميع. لا تنتظروا حتى تصل النار إلى أبوابكم. انظروا الى ترامب ونتنياهو كيف يكون التهديد بقدر امتلاك القوة على التنفيذ
إن ما يحدث اليوم هو اختبار حقيقي لإرادة الأمة، فإما أن تتحرك الشعوب والأنظمة قبل فوات الأوان، أو أن تستيقظ على واقع جديد لن تكون فيه فلسطين وحدها الضحية.
---------------------------
بقلم: عز الدين الهوارى