في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل وخرقه لكل الاتفاقيات التي أبرمتها مع الأطراف الفلسطينية والعربية، يظهر بوضوح أن أي اتفاق جديد يكون الكيان الصهيوني طرفًا فيه لا يمكن ضمان استمراره ما لم يكن هناك طرف ضامن يتمتع بالقوة والاستقلالية اللازمة لفرض تنفيذ الالتزامات.
أمريكا ليست ضامنًا نزيهًا
إن الولايات المتحدة ليست فقط غير مؤهلة للعب دور الضامن المحايد، بل إنها شريك رئيسي في كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الكيان الصهيوني. فهي التي تتبنى بالكامل السردية الصهيونية وتمنحه الدعم العسكري والسياسي والمالي بلا حدود، بل وتعمل على إضفاء الشرعية على ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. فكيف يمكن الوثوق بها كضامن لأي اتفاق وهي التي تعرقل أي قرارات دولية تدين إسرائيل أو تسعى لوقف انتهاكاتها؟
إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاق
على مدار العقود الماضية، لم تلتزم إسرائيل بأي اتفاقية وقعتها، بل حولت جميع الاتفاقيات إلى محطات تكتيكية تخدم مصالحها التوسعية والعدوانية. وحتى بعد التوصل إلى هدنة مؤقتة برعاية مصر وقطر، تواصل إسرائيل خرقها للاتفاق، متجاهلة كل الالتزامات التي قطعتها على نفسها. فاليوم، وبعد مرور 32 يومًا على الاتفاق، لم تنفذ إسرائيل تعهدها بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن ستة أسرى إسرائيليين، مما يبرز مجددًا طبيعتها القائمة على الغدر والتنصل من الالتزامات.
إضافة إلى ذلك، لم تلتزم إسرائيل حتى اليوم بالانسحاب من لبنان رغم تعهداتها السابقة، ولا تزال تنفذ عمليات عدوانية وتوغلات داخل الأراضي اللبنانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. كما تواصل سياسات القتل والتخريب، مستهدفة المدنيين والبنية التحتية، في ظل صمت دولي مطبق.
ضرورة وجود ضامن قوي ومستقل
إن استمرار العرب في لعب دور الضامن دون امتلاك أدوات حقيقية لفرض تنفيذ الاتفاقيات، يضعهم في موقف حرج أمام شعوبهم وأمام المجتمع الدولي. إن الضامن الحقيقي يجب أن يكون كيانًا قويًا يتمتع بالقدرة على فرض إرادته دون الخضوع لأي ضغوط أو مصالح تربطه بإسرائيل أو الولايات المتحدة.
مجلس الأمن كطرف ضامن
إن الحل الأمثل لضمان تنفيذ أي اتفاق مع إسرائيل هو أن يكون مجلس الأمن هو الضامن الرسمي، على أن يُرفق ذلك بوجود قوة دولية مسلحة ذات صلاحيات واضحة في فرض تنفيذ بنود الاتفاقية ومعاقبة الطرف الذي يخرقها. فلا يمكن الاعتماد على حسن نية إسرائيل، بل يجب أن يكون هناك نظام صارم يفرض عليها الامتثال بالقوة إذا لزم الأمر.
عرقلة إسرائيل للمرحلة الثانية من الاتفاق
إن ما يجري اليوم من عرقلة للمرحلة الثانية من الاتفاق بسبب رفض إسرائيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، هو تأكيد إضافي على أن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة القوة. وإصرار إسرائيل على فرض شروطها التعسفية أمام العجز العربي والدولي يكشف مدى تغلغل السياسة الإسرائيلية في بنية النظام العالمي الذي يسمح لها بالاستمرار في البلطجة دون محاسبة.
نحو رؤية جديدة للتعامل مع إسرائيل
لم يعد مقبولًا أن تستمر إسرائيل في التنصل من التزاماتها والعبث بالاتفاقيات تحت مظلة الحماية الأمريكية. المطلوب اليوم هو موقف عربي ودولي أكثر صلابة، بحيث يتم فرض آليات رقابة صارمة، وتفعيل العقوبات ضد إسرائيل عند الإخلال بأي اتفاق. كما أن على الدول العربية أن تدرك أن أي اتفاق مع إسرائيل دون وجود قوة تفرض احترامه سيكون مجرد هدنة مؤقتة تمنح العدو فرصة جديدة للمماطلة وتحقيق المزيد من المكاسب على الأرض.
باختصار، أي اتفاق مع الكيان الصهيوني وأمريكا يجب أن يكون بضمان مجلس الأمن، مع قوة حقيقية تحميه وتفرض العقوبات عند خرقه. وإلا، فإن أي اتفاق سيكون مجرد ورقة جديدة تضاف إلى سجل الخداع والمراوغة الإسرائيلية.
----------------------
بقلم: عز الدين الهواري