30 - 04 - 2025

سوق سماء يحيى فى ضي الزمالك

سوق سماء يحيى فى ضي الزمالك

بين سوق ديانا بقلب القاهرة، وسوق سماء يحيى بقاعة ضى الزمالك مسافة لا تتجاوز أربعة كيلومترات وشروط التجول بسوق ديانا أن تصحو مبكرا يوم السبت حتى تسبق عشاق الأنتيكات وتحصل على ما تريد. فالكل يتسابق متمنيا أن يجد تحفة قديمة أو لوحة لأحد رواد الفن لم ينتبه إليها البائع. فالسوق هو الأشهر فى بيع كل ما هو قديم ونادر، وفريد من مشغولات نحاسية، وتماثيل، وساعات عتيقة، وعملات قديمة. ناهيك عن الصور الشخصية والألبومات القديمة، والذكريات والأسرار التى لم يبح بها أصحابها وفضحها السوق.

تداوم الفنانة سماء يحيى على إرتياد سوق ديانا والبحث عن هذه التحف الثمينة ، وتقتنى كل ما يجذبها وتتخيله مكملا لعمل فنى فى ذهنها. إنها تحب إقتناء التحف بشكل عام، لكنها تقوم برحلات خاصة الى سوق ديانا لتبحث عن أنتيكات لها تاريخ يحكى عمق الزمن، ويكشف الحضارة المصرية القديمة. لقد قامت بجمع عدد ضخم من الأنتيكات والتحف يقيم سوق ينافس سوق ديانا، وسوق الجمعة الذى يقام أيضا بوسط القاهرة ويتميز ببيع التحف القديمة.

انقطعت الفنانة منذ سنوات لإعادة تشكيل هذه الأنتيكات التى جمعتها فى تكونات نحتية مجسمة ومعلقات مجسمة أيضا تحكى من خلالها تاريخ وذكريات الماضى برؤية فنية خاصة، وفاجأتنا بمعرضها المقام فى قاعة وحديقة ضى الزمالك بعنوان سوق ديانا، والذى تميز بخصوصية الفنانة فى التناول والرؤية، والبحث عن حلول تشكيلية مبتكرة تحمل قيما جمالية بصياغات متنوعة تقيم حوارات مع الفراغ. 

رؤية سماء لأشكالها المجسمة تجاوزت طبيعة المفردات التى جمعتها من سوق ديانا، وتحولت من مفردات تحمل عبق التاريخ فقط الى مجسمات تم تشكيلها برؤية غير تقليدية لتحقيق هدف جمالى مغاير عن الأفكار التقليدية، وبطاقة تعبيرية تفوق الحكايات المرتبطة بالمجسمات التى جمعتها ووظفتها لخدمة رؤيتها التشكيلية. 

قامت الفنانة بتوليف مفردات مع مفردات أخرى، وإختزلت فى قطع وأضافت الى أخرى، وأعادت تنظيم الأشياء وتأكيد بعضها على البعض الآخر لتقديم حوارات تشكيلية خاصة، تجذب المشاهد وتدعوه للتفكير والتأمل فيما يمثله التكوين الفنى ولغته البصرية، ويدخلك فى تساؤلات كثيرة مرتبطة بفلسفة الفنانة فى اختيار التحف والذكريات وصياغتها برؤية جمالية مبتكرة، من خلال بناءات تعبيرية جديدة فى عمل مجسم يحمل قيما جديدة ترتبط بالكتلة والفراغ الذى يحيط بها ليحقق حدود ومسافات وعمقا مختلفا يؤثر فى الإدراك البصرى للمشاهد بما أضافه للمفردات التى وزعتها الفنانة بحسابات بالتقارب والتباعد، وتوزيع المفردات والفراغات وتكرارها وتكثيفها فى مساحات للتأثير على الإدراك الشكلى للعمل وإعطائه صفة التماسك وتحقيق حركة فراغية ناتجة عن العمق التقديرى الذى أحدثته العناصر التى ركبتها الفنانة لإرسال إشارات لحدقات عين المشاهد تغريه للتأمل وتعيده الى الزمن الجميل برؤية جميلة.

استطاعت الفنانة أن تعيد الذكريات التى احتفظت بصمتها سنوات لتستنطقها من جديد فى بناء وتشكيل مختلف تفاعل مع الفراغ بجماليات أخرى، مولدا قوى جذب تخلق حالة تفاعلية بينها وبين المشاهد. لقد نقلت الزمن وقامت بتدويره من جديد ليتجدد برؤية مبتكرة. فهذه المفردات التى قامت بإعادة تشكيلها كانت لها خلفية تراثية مؤثرة بطريقة ما، تحولت الى عمل فنى مختلف يتضمن إحساسا ومضمونا مرتبطا بتاريخه وبدلالاته النفسية، ولكن برؤية فنية تجاوزت حالة الإدراك التقليدية، وأضافت قيما تشكيلية لكل عمل من خلال معادلات وجدانية وفلسفية خاصة وفريدة.

حصلت سماء يحيي على بكالوريوس كلية التربية النوعية قسم التربية الفنية جامعة الزقازيق 1999، ودبلومة في الفنون من كلية التربية الفنية جامعة حلوان 2000، ودبلومة في التصويرمن كلية التربية الفنية جامعة حلوان 2003، وماجستير من كلية التربية الفنية جامعة حلوان برسالة موضوعها (القيم الجمالية والتعبيرية لحضارات وسط آسيا كمدخل لإنتاج أعمال تصويرية معاصرة) 2005، ودكتوراه من كلية التربية الفنية جامعة حلوان برسالة بعنوان (فلسفة الحضارة الهندوسية في التصوير الشعبي الجنوب آسيوي كمدخل لإنتاج أعمال تصويرية معاصرة) 2009، وحصلت سماء على عدة جوائز، منها: درع الفنان الإيطالي الراحل جورجيو رينالدينى ومهرجان مارتين سيكورو الأربعين للفن المعاصر في إيطاليا العام الماضى، وجائزة مهرجان كولونيلا الدولي للفنون في دورته الـ25 في إيطاليا العام الماضي أيضا.
-----------------------
بقلم: د. سامى البلشي