01 - 05 - 2025

حزب الله إلى أين؟

حزب الله إلى أين؟

في يوم الجمعة 14-2-2025 أسفر حزب الله اللبناني عن وجه قبيح من وجوهه المتعددة بعد أن هاجم أنصاره قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في الطريق المؤدي الى مطار بيروت، مما أسفر عن إصابة اثنين من قوات حفظ السلام بالإضافة الى نائب رئيس البعثة الأممية. وكان هذا العنف بسبب رفض السلطات اللبنانية استقبال طائرة من طهران في مساء الخميس 13-2-2025. لقد أبلغت الولايات المتحدة الحكومة اللبنانية بأن إسرائيل ستقصف المطار إذا سمح للطيران الإيراني بالهبوط، وعلى إثر ذلك أبلغت السلطات اللبنانية طهران بضرورة عدم إقلاع الطائرة. ومن الجدير بالذكر أن نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله تنصل من الهجوم على اليونيفيل وأقر المظاهرات التي تحولت الى أعمال شغب بعد تعامل السلطات اللبنانية معها بعنف على حد قوله في الخطاب الذي ألقاه يوم الأحد  16-2-2025. 

تتزامن أحداث الشغب تلك مع حدث خارجي وهو الاشتباكات بين ميليشيا حزب الله والقوات السورية على الحدود اللبنانية السورية وتدخل الجيش اللبناني كوسيط بين الطرفين. وأما الحدث الداخلي الأبرز هو إعلان رئيس الوزراء نواف سلام أسماء تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة مساء السبت 8-2-2025 كنتيجة للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جوزيف عون في 9-1-2025، كل هذا يحدث في ظل اتفاق هش لوقف إطلاق النار مع إسرائيل. مرة أخرى يبدو حزب الله وأمينه العام الجديد نعيم قاسم كمصدر اضطراب وخلخلة للوضع العام في لبنان عوضا أن يكون مصدر أمن واستقرار، كما يؤكد قادته في كل مناسبة. 

خطاب الأمين العام

في واقع الأمر، ورغم التوترات الداخلية والخارجية التي تمور بها الساحة السياسية في لبنان، جاء خطاب الشيخ نعيم قاسم يوم الأحد 16-2-2025 على درجة عالية من الانضباط والتوازن في الشكل والمضمون. بل وعكس كاريزما من نوع خاص للرجل ربما فاقت كاريزما الراحل الأمين العام السابق حسن نصر الله. فالرجل يعرف جيدا متى يرتفع وينخفض بنبرات الصوت وتعبيرات الوجه مما جعله يبدو في صورة قوية مفعمة بالثقة والثبات. جاء هذا الخطاب بمناسبة الذكرى السنوية للقادة الشهداء راغب حرب وعباس الموسوي وعماد مغنية وجميعهم قتلوا على يد اسرائيل في شهر فبراير على مدى سنوات متفرقة. قتل راغب حرب عام 1984 ويعزي اليه دور كبير في تأسيس المقاومة والتي تطورت لتصبح حزب الله في عام 1982. أما الموسوي فقد كان ثاني أمين عام للحزب ولم تدم قيادته سوى 9 أشهر حيث قتل بقصف إسرائيلي في 16 فبراير 1992. وقد خلفه الأمين العام السابق حسن نصر الله الذي قتل بدوره في سبتمبر 2024. أما عماد مغنية الذي اغتيل في 12 فبراير عام 2008 فقد كان من أهم القادة العسكريين في حزب الله وقد التحق بالمقاومة الفلسطينية ثم حركة أمل ثم حزب الله . وترى بعض مصادر الحزب أن هذا الرجل بالإضافة الى قاسم سليماني الرئيس لسابق للجناح العسكري فيالحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل في يناير 2020،  وراء فكرة الأنفاق التي تستخدمها حركة حماس. 

حفل الخطاب بجملة من القضايا الداخلية والخارجية المتعلقة بوضع حزب الله في التركيبة السياسية اللبنانية وفي الشأن اللبناني بصفة عامة. أشار الأمين العام إلى أن مسيرة الحزب تتحدد من خلال مسيرة شهدائه ابتداء من راغب حرب مرورا بعباس الموسوي ووصولا الى حسن نصر الله وهاشم صفي الدين. وفي هذا الإطار جدد الأمين العام تأكيده على ثلاث مبادئ تحكم وتشكل فكر ورؤية  الحزب. أول مبدأ أن موالاة الامام الخميني وخلفه خامنئي جزأ لا يتجزأ من الإسلام الأصيل. وثانيا، أن جهاد إسرائيل يعد تطبيقا عمليا لطاعة الله. وأخيرا أكد الأمين العام ضرورة المزاوجة بين "البعد الإيماني المعنوي والبعد الجهادي" ثم أشار الأمين العام لموضوع الطيران الإيراني على أنه "موضوع طارئ". واعتبر أن رضوخ الحكومة اللبنانية لتهديد إسرائيل انتقاصا للسيادة الوطنية اللبنانية. واعترف بأن الحزب دعا الى "مظاهرة سلمية" يوم السبت 15-2-2025 مشيرا الى ان أعمال الشغب اندلعت بعد أن ألقى الجيش قنابل مسيلة للدموع. وتساءل "هل نحن موظفين لدى إسرائيل؟" وأكد الأمين على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية بحلول يوم 18-2-2025 وأن إعادة إعمار تلك الأراضي هي مسؤولية الدولة اللبنانية، غير أن الحزب على أتم الاستعداد للمساعدة في جهود الإعمار. وثمن الأمين العام دور حزب الله وحركة أمل الإيجابي  في التوصل للاستحقاق الرئاسي والوزاري مشيرا الى أن الحزب راض عن تشكيل الحكومة الذي أعلن يوم السبت 8-2-2025. ومن الملفت أنه أشار الى وجوب قيام التعيينات الإدارية في غير المناصب الوزارية ليس على أساس المحاصصة الطائفية ولكن على أساس الكفاءة. 

بالنسبة للقضايا الخارجية أكد الأمين العام أن بالنسبة للحزب، فان فلسطين كانت وما زالت من البحر إلى النهر. ولكن في تصريح ضمني ربما يشرعن التفاوض لأول مرة في تاريخ حزب الله ، قال نعيم قاسم "فلسطين من البحر الى النهر. صرحوا بهذا حتى تصلوا الى حل معين"، وأشار الى أن سياسات الهيمنة الأمريكية هي التي تدير وتوجه إسرائيل. وقال أن حزب الله في خدمة الدول العربية والإسلامية في أي خطط أو برامج للتعامل مع القضية الفلسطينية. وأشار الى موقف ترامب من فلسطين ومن غزة قائلا "أنه يريد إبادة سياسية لغزة بعد أن عجزت إسرائيل عن الإبادة الجسدية. وأنه يريد أن يتحكم في العالم وليس فقط في فلسطين" وفي ختام الخطاب دعا الأمين العام اللبنانيين من كافة الطوائف وكل من يرغب من العرب و المسلمين الى المشاركة في تشييع حسن نصر الله وهاشم صفي الدين المزمع في 23-2-2025.  أشار الى أنه سوف يكون تشييعا "ضخما" و "مهيبا", إنه بالنسبة لحزب الله فسوف يعتبر مظاهرة "لتجديد البيعة" . 

حزب الله الى أين؟

عكس الخطاب توازنا وعقلانية في جرعات أعلى من خطابات الأمناء السابقين لنعيم قاسم. لكن هل يعكس ذلك ضعفا أم قوة ؟ يبدو لي من استقراء الأحداث أن الضربات التي حاقت بحزب الله على مدار العام الماضي داخليا وإقليميا  تفسر هدوء اللهجة وشيئا من المراوغة في الخطاب، رغم تأكيد الأمين العام على وضوح مرجعية الحزب الفكرية والعقائدية والمتمثلة في أن "موالاة الخميني و خامنئي جزء لا يتجزأ من الإسلام الأصيل" ، حرص نعيم قاسم في خطابه على تأكيد أن الحزب فاعل أساسي في التركيبة السياسية اللبنانية والنسيج اللبناني. وتنصل بوضوح من جريمة الاعتداء على بعثة الأمم المتحدة. ثم المقولة التي أعتبرها تاريخية "صرحوا بهذا حتى تصلوا الى حل معين". هل يمكن أن يضمر رغبة بالموافقة على تفاوض سياسي؟ راغب حرب قال ذات يوم "المصافحة اعتراف والموقف سلاح“، حتى دعوته للتعاون مع الدول العربية تعكس ميلا لمهادنة الأنظمة رغم أنه قال " دولا" و ليس " أنظمة". الجزء الوحيد الذي كانت فيه راديكالية حزب الله واضحة كانت التنديد بترامب. 

الحزب الآن في مفترق طرق بعد أن نجا من الاستبعاد الوزاري بأعجوبة. لا يمكن ان يصعد الحزب من لهجته وممارساته في ظل التهديد الإسرائيلي والتوازن الداخلي الهش الذي تفرضه رغبة الحكومة اللبنانية الجديدة. لذلك يسعى الحزب في الاندماج أكثر في المعادلة السياسية اللبنانية المؤسسة على اتفاق الطائف. في حادثة الطائرة الإيرانية تنصل من الهجوم على اليونيفيل ولم يتنصل من "المظاهرات السلمية." لو اختارالحزب خيارات راديكالية في هذا التوقيت سيعرض نفسه وبلده لخطر عظيم. لذا أرى أن الحزب يتجه الى الاعتدال السياسي مع الاحتفاظ بوضوح المرجعية الولائية والمراوغة أحيانا خاصة في ظل ضعف الظهير الإيراني والذي كنت قد تناولته في  مقال سابق. 
--------------------------
بقلم: محمد الأنصاري

مقالات اخرى للكاتب

الكتابة كفعل تطهري