في مثل هذا اليوم قبل 79 عاما ً ، وتحديدا يوم 17 فبراير 1946 ، وفي إجتماع حاشد في القاعة الكبيرة لكلية الطب جامعة القاهرة ، أعلنت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة ، والتي تضم نقابات العمال بالقطر المصري، وطلبة الجامعات المصرية والأزهر والمعاهد العليا والمدارس الخصوصية والثانوية ، أن يكون يوم الخميس القادم 21 فبراير 1946 يوم الجلاء ، يوم إضراب عام لجميع هيئات الشعب وطوائفه ؛ يوم استئناف للحركة الوطنية المقدسة التي تشترك فيها كل عناصر الشعب المصري متكتلة، حول حقها في الإستقلال التام والحرية الشاملة؛ يوم إشعار المستعمر البريطاني والعالم الخارجي أجمع ، أن الشعب المصري قد أعد عدته للكفاح الإيجابي ، حتي ينجلي كابوس الإستعمار الذي ظل جاثماً علي صدورنا منذ 64 عاماً.
يوم هو وثيقة في أيدي المفاوضين المصريين ، يقدمونها دليلا للمستعمر علي أن الشعب المصري مصمم علي ألا يتخلي لحظة واحدة عن الجلاء عن مصر والسودان ؛ يوم يقظة عامة للشعب المصري، يؤكدفيها أنه لن يقبل أي انحراف أو تهاون في حقه في الإستقلال والحرية؛ يوم تتعطل فيه المرافق العامة ووسائل النقل والمحلات التجارية والعامة ومعاهد التعليم والمصانع في جميع أنحاء القطر.
إن جلال هذا اليوم ليهيب بنا جميعا ألا ننحرف بقضيتنا المقدسة إلي شغب أو تخريب أو إخلال بالأمن العام ؛ فلنرفع جميعاً لواء الوطن عالياً ، ولنثبت وحدتنا التي لا تنفصم ، عمالاً وصناعاً ، طلبة وتحاراً وموظفين ، شعباً متكتلاً ، يرفع عن نفسه وصمة الذل والإستعباد .
كان الشعب المصري كله يموج بالغضب ، وتخرج مظاهراته وفي مقدمتها العمال والطلبة ، داعمة المفاوض المصري الذي كان يخوض تفاوضاً صعبا وخاصة فيما يتعلق بالجلاء ووحدة وادي النيل .
ومن المؤسف أن تحالف أحزاب الأقلية الحاكم ، والمتحالف مع بريطانيا ، وقف ضد هذا التحرك الشعبي بقوة ، حيث قام رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي ، بإصدار أوامره بحصار المتظاهرين ، ثم فتح جسر عباس ، حيث مات العشرات وجرح المئات .. وقد ادي ذلك إلي استقالة الحكومة ، وتولي إسماعيل صدقي الحكم ، مبديا عدم ممانعته في خروج المظاهرة التي دعت إليها لجنة العمال والطلبة ، ولكن ما أن خرجت المظاهرة يوم 21 فبراير 1946 ، حتي انقضت عليها بنادق ثكنات قصر النيل فسقط العديد من الضحايا.
ولكن المسيرة لم تتوقف هناك ، وقد أدركت بريطانيا أن الشعب المصري قد خرج من قوقعته ولن يعود إليها.
----------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق