04 - 05 - 2025

السلام بالقوة أم الاستسلام بالإكراه؟!

السلام بالقوة أم الاستسلام بالإكراه؟!

يبدو أن دونالد ترامب رئيس عصابة البيت الاسود بسياساته وأسلوبه الخطابي الفج الوقح المدمر ، لم يعد يحاول حتى تجميل خطاباته أو إخفاء نواياه العنصرية الاجرامية ان يفرض ."السلام بالقوة"، هكذا قالها بكل صراحة، وكأن مفهوم السلام تحوّل من كونه خيارًا إراديًا قائمًا على العدل والاحترام، إلى إملاء عسكري استعماري جديد: إما أن تقبلوا بالسلام وفق شروطنا، أو ندمركم!

هذا التصريح ليس مجرد زلة لسان، بل هو امتداد لعقيدة استعمارية متجذرة في الفكر الإمبريالي الغربي، الذي يرى الشعوب الأخرى مجرد أدوات يُفرض عليها السلام إن كان يخدم مصالح القوى العظمى، أو تُدمر إن لم تنصع. لكن، في ظل هذه العنجهية، يقف المشهد السياسي الدولي ليكشف لنا فاجعة أكبر: كيف أن الشعوب العربية والإسلامية، التي تملك كل مقومات القوة، تُرغم على السمع والطاعة، بينما تقف دول صغيرة مثل إيرلندا وبلجيكا وإسبانيا في مواجهة هذا الطغيان، دون أن تربط مواقفها بحسابات المصالح الرخيصة؟!

لماذا تتخاذل الأنظمة العربية؟

الأمر ليس مجرد استسلام بسيط، بل هو سقوط مروع في وحل الخضوع. اليوم، تتحرك دول مثل جنوب إفريقيا لتقاضي الكيان الصهيوني على جرائمه في محكمة العدل الدولية، بينما تسارع بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع والانبطاح. الاتحاد الإفريقي يقرر طرد الاحتلال، بينما يهرول بعض العرب إلى اتفاقيات العار والذل.

لدينا في العالم الإسلامي قوى إقليمية ضخمة: مصر، تركيا، باكستان، إيران، الجزائر، ماليزيا، وإندونيسيا، كلها دول تملك جيوشًا هائلة واقتصادات قوية وإمكانات دبلوماسية واسعة، لكنها لا تجرؤ على رفع الصوت، لأن الاستعمار الجديد لم يعد يكتفي بجيوش الاحتلال، بل استعاض عنها بحكام يديرون الدول نيابة عنه، ويقمعون أي محاولة تحررية بيد من حديد.

أين الشعوب؟

إذا كانت الأنظمة متواطئة، فما بال الشعوب؟ لماذا لا نرى انتفاضات عارمة؟ لماذا لا تتحرك الجماهير كما تحركت أوروبا من أجل غزة؟ أين المظاهرات التي تهز العروش؟ إن من يُقهر دون مقاومة يكون قد ارتضى الذلّ، ومن يقبل "السلام بالقوة" يكون قد وقّع وثيقة استسلامه طوعًا.

كيف لا يحرك الحكام العرب الشعوب ويكونوا في صدر المشهد؟

إن كانت إسرائيل أو أمريكا أسقطتهم في العمالة، فليقفوا الآن ضد هذا الاستسلام وذل شعوبهم، فإن شعوبهم سوف تصطف خلفهم بكل قوة وتحميهم. الآن، إن غرقنا سوف يغرق الكل، وإن استسلمنا فلا أمان لهم، وسوف يُهانون على العلن، فاليهود لا عهد لهم ولا أمان. وترامب أكثرهم وقاحة وإجرامًا!

الخضوع ليس قدرًا محتومًا!

الواقع ليس قدرًا لا يُمكن تغييره. من يظن أن "التطبيع" و"السلام بالقوة" هو المصير الحتمي فهو لم يقرأ التاريخ جيدًا. الاحتلال الفرنسي للجزائر دام 132 عامًا لكنه زال، والاستعمار البريطاني للهند امتد لقرون لكنه انتهى، والصهاينة أنفسهم رغم جرائمهم لن يبقوا للأبد. لكن التغيير لن يأتي وحده، بل يحتاج إلى شعوب تُجبر حكامها على اتخاذ المواقف الصحيحة، وحكّام شجعان يعرفون أن البقاء ليس للخاضعين، بل للأحرار.

في النهاية، ترامب ومن على شاكلته يريدون استسلامنا، فهل نقبل؟!
---------------------------
بقلم: عز الدين الهواري

مقالات اخرى للكاتب

محكمة الذكاء الاصطناعي التجارية: ثورة فى عالم العدالة الرقمية