04 - 05 - 2025

سوفت مفقود وهارد متلوف (٣/٣)

سوفت مفقود وهارد متلوف (٣/٣)

ذكرت فى الجزأين الأولين من هذه المقالة عظيم حاجتنا نحن المصريين إلى عمل مبرمجى (سوفت وير البشر) لإصلاح ما فسد واستبدال ما تلف من أخلاق وما ساء من تفكير، وليفلح (سوفت وير) هؤلاء المبرمجين فلا بد من صلاح (الهارد وير) الذى يستقبله، وإن (هارد وير) البشر هو ضرورات حاجاتهم الجسمية من أمن وغذاء وكساء  ومأوى ودواء، فأى وعظ وتعليم يقع موقعه المرجو من نفس الجائع المريض المشرد أسفل الجسور وفوق الأرصفة؟! إن ملايين من ضعفاء الناس من أطفال وشيوخ ونسوة ومرضى تراهم فى صورة البشر لكنهم يحيون حياة أدنى من حيوان ضالٍّ لا مأوى له يؤويه، ولا لقمة تسد جوعته، ولا دواء له إن مرض، يولد أحدهم فوق رصيف ويموت تحت جسر، فهل تعجب إن سرق أو بطش أو اعتدى؟! إن العجب أن ينعقد له مجلس القضاء، وأن تُحال أوراقه إلى المحاكم وإلى فضيلة المفتى لينال جزاءه عما اقترف! وكان الحق أن تحال أوراقه إلى وزير التضامن ليتفقد حاله ويقدر حاجته ويعطيه نفقته، وأن تحال أوراق المرأة الشريدة إلى وزير الإسكان ليأمر لها ولبنيها بمسكن، وأن تحال أوراق الشيخ المسن إلى دار رعاية ترحم شيبته، وأن تحال أوراق الصبى اليتيم إلى وزير التعليم لينال حظه من العلم والخُلق، ثم يبعث بها إلى دار أيتام تؤويه خير له من التشرد، وأن تحال أوراق الشاب المتعطل إلى وزير العمل لتضعه حيث يصلح من الأعمال فتكف أذاه عن نفسه وعن الناس، فإذا أصلحت لهؤلاء (هارد وير) معيشتهم وأخرجتهم من بهيمية لا يد لهم فيها ورددتهم إلى آدميتهم المفقودة حَسُنَ استقبالهم (السوفت وير) الذى يُلقى إليهم.

وطائفة أخرى هى أعلى درجة من هؤلاء المشردين هم المساكين الذين لا يجدون جهدهم، ولا يكادون يجدون قوت يومهم إلا بشق الأنفس، فهؤلاء هم وأبناؤهم ونساؤهم يقضون يومهم وليلهم فى كدح ولأى، فهؤلاء ربما يقل انتفاعهم  (بسوفت وير) جيد يُلقى إليهم وعندهم (هارد وير) لا يعين على استقباله.

فإذا أردت أن تصغى أفئدتهم إلى ما يُلقى إليها من (سوفت وير) فعليك أولًا أن تُحسِّن وترقى (هارد وير) معيشتهم، ولا أقول أن تبلغ بهم الرفاهية ورغد العيش، ولكن الكفاف والقوت، فإذا ضمنوا أقواتهم وسدوا خللهم، وكُفُوا فاقتهم، فحينئذ تطمئن القلوب وتصغى الآذان، وتنفع المواعظ.

أما ترك الناس أغفالًا من (السوفت وير) فقراء من (الهارد وير) فهو لا يقيم أمة، بل يصير الناس ثقلًا على الناس، ويصبح بعضهم لبعض منغصة، ثم يصير كل هؤلاء أثقالًا على عاتق الشرطة والقضاء الذين يُكلَّفون تدارك تقصير وزارات أخرى لم تقم حق القيام بأمانتها فى رعاية (الهارد وير) ولا قامت حق القيام بأمانتها فى برمجة (السوفت وير).
_____________________
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

حَضَروا!