ما الذي يحدث في بلداننا العربية، ما هذا الاقتتال ، ما هذه الدماء التي تملأ الشوارع ، على ماذا كل هذه الصراعات ، أعلى الكراسي والمناصب يصبح الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان ، لماذا كل هذه الانشقاقات والانقسامات.؟!
هل هذا آخر الزمان ؟!، وما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، تكون فتن كقطع الليل المظلم البهيم.
ماذا يحدث أخا العرب ، ماذا يحدث أخي في الإنسانية.؟!
قوتنا في وحدتنا وضعفنا ووهننا في تفرقنا وتشرذمنا، ما نراه اليوم من مستجدات وأمور مستحدثة طرأت على أمتنا العربية والإسلامية لأمر يثير العجب العجاب لماذا ؟!
لأننا كنا خير أمة أخرجت للناس تحسدنا جميع الأمم ولا سيما الأمم الغربية التي كانت تعيث في ظلام دامس فترة العصور الوسطي.
ثم ومع بدايات القرن السادس عشر عصر النهضة الأوربية وعصر الثورة الصناعية والتحرر من قيود السلطة الدينية التي استغلتها السلطة السياسية أسوأ استغلال، بدأت تلملم شعثها وأخذت في النهوض والتقدم بل وأحدثت أنواعا من الصحوة العلمية.
ونحن أمة المعصوم صلى الله عليه وسلم أخذنا في العود القهقري إلى الخلف، أمة في ما يقارب المائة عام وضعت قدمها في الأندلس والأخرى في الصين ، أمة فاقت جميع الأمم، وتقدمت في كافة مناحي العلوم في الطب والفلك والكيمياء والطب والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والفنون والعماره والزخارف .
ثم تقهقرنا إلى الخلف وبدأنا فى الانهيار على كافة المستويات الثقافية والحضارية والعلمية بل وصرنا ناقلين مقلدين، فبعد أن كان الجميع يتعلم منا صرنا نقلد الموضة وقصات الشعر وفساتين السهرات، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وكما أقول لا نلقي باللائمة على أحد لا نقول الغرب أرادنا كذلك، لا. أنت بوعي أو بغير وعي الذي أردت ذلك وقفت منبهرا أمام التقنيات الحديثة - ولا نرفض التقنية الحديثة وثورة المعلومات - ولكن الذي نرفضه الانقياد الأعمى دون روية أو تؤدة ،الغرب يغازلنا بمغرياته المادية ونحن نتغزل فيما يغازلنا به بل ونرقص معه حيث يرقص .
فحدث ما حدث، فقدان للوعي الثقافي وفقدان للهوية العربية وأصبحنا متفرنجين في حياتنا وفي لغتنا وفي عاداتنا وتقاليدنا، وهذا ما كان يحلم به الغرب أن يضعك في غربة عن ذاتك في حين أنه يعلم ذاته تمام العلم.
ولعل سائلا يسألنا لماذا كل هذا وما السبيل إلى عودتنا سيرتنا الاولي.؟!
أقول كل إنسان يحب وطنه ويحب عروبته ويحب دينه أيا كان هذا الدين لابد أن يسأل نفسه هذا السؤال ويلح في السؤال بل ويقف طويلا ويفكر في سيكلوجية هذا السؤال، لماذا وكيف صرنا وكيف الخلاص من هذا الوهن والضعف، وأي ضعف لمّا تنظر وتري رؤوس الشياطين.
شياطين الإنس يخططون للإستيلاء على مقدراتنا وعلى أراضينا وعلى قدسنا ومقدسنا الحبيب، والكل خانع راكع واقف متفرج، وحتي إذا عبر عن رفضه يرفض من طرف خفي ، يخشي أن تصيبه لعنة أو تنزل عليه لعنات الرب الذي هناك، مالكم كيف تحكمون ، مالكم ماذا تقولون لله حينما تقفون أمامه.
مالكم كيف تنظرون في وجه المعصوم صلى الله عليه وسلم ويسألكم ماذا فعلتم في أمانتي، هل حافظتم عليها؟ ماذا ستقولون لعمر بن الخطاب فاتح القدس الشريف في عزة وقوة وهو يسألكم عن أمانة القدس الشريف، ماذا ستقولون لصلاح الدين الأيوبي الفاتح، حالنا يرثي له، والله حالنا يرثي له.
يا أبناء عروبتي، يا أبناء أوطاننا الفرصة لاتزال موجودة ولم تضع بعد طالما أننا موجودون ارفعوا الحجاب عن أبصاركم وبصائركم واستعصموا واستمسكوا بحبل الله المتين(واعتصموا بحبل الله جميعا)، استمسكوا بالعروة الوثقي لا انفصام لها.
لا أحد يستطيع أن يفك هده العروة، لأن عراها متينة وحياكتها معمولة باتقان (ولا تفرقوا) ولا تتشرذموا (ولا تكونوا كالذين تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينة )، والبينة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، دين الله القيم، لاتتحزبوا ولا تكونوا كل حزب بما لديهم فرحون .
وإنما اجعلوا تحزبكم لحزب واحد وتوجه واحد، هو رأب الصدع ولملمة بعضنا في صف واحد، نسبح تسبيحة واحدة تدوي وتصل الي أعنان السماء ونصلي صلاة واحدة، هي صلاة العودة إلى سيرتنا الاولي ونبتهل للإله أن يجمع تشتتنا وتفرقنا وتشرذمنا، وأن يوحد كلمتنا ضد من يريد ان يغتصب مقدراتنا ومقدساتنا وأراضينا، فوالله لا تأكل الذئاب إلا من الغنم الشاردة القاصية ، ولا يجتمع لئام القوم علينا إلا إذا صرنا لئام والحمد لله نحن لسنا خبثاء ولا لئام .
أروا الله منكم خيرا، كل في مجاله الطبيب، المهندس، الفلاح، الضابط، كل يشمر ساعد الجد للنهوض بأمته، ببلده، بوطنه، بدينه، بفكره، بثقافته، بعلمه، ولا تكونوا كغثاء السيل تتداعي عليكم الامم كما تتداعي الأكلة على قصعتها، فنحن كثير ونتمني ألا نكون كغثاء السيل.
هذه ليست معضلة المهم أن يكون لدينا العزم والنية لفعل ذلك، لا أن ننتظر من سيأخذ الخطوة ،كل يبدأ بنفسه ويأخذ بيد أخيه للوقوف صفا واحدا متحدين مقبلين غير مدبرين، هل هذا صعب، (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا).
-----------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان