لم يعد هناك مكان للصمت أو المجاملات الدبلوماسية، ولم يعد هناك متسعٌ لمن يراوغ أو يحاول تهدئة العاصفة بكلمات مائعة، ما تفوّه به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول امتلاك غزة وترحيل الفلسطينيين قسرًا، ليس تصريحًا عابرًا ولا زلة لسان، بل هو إعلان رسمي عن أكبر عملية تطهير عرقي في العصر الحديث، هو تأكيد لما كنا نحذر منه منذ عقود بأن المشروع الصهيوني لا يتوقف عند حدود فلسطين، بل يمتد ليشمل تصفية القضية بأكملها من جذورها، واليوم يأتي ترامب، ذاك التاجر السياسي الفاسد، ليضع خطته علنًا دون خجل أو مواربة، يريد أن يحوّل غزة إلى مستوطنة صهيونية جديدة، وأن يمحو الفلسطينيين من أرضهم، يريد أن يُهجر شعبًا بأكمله كأنهم بضاعة فاسدة يجب التخلص منها، بينما يواصل دعم القتلة في تل أبيب ليكملوا مجازرهم ضد أهلنا في فلسطين
كيف يمكن للرئيس عبدالفتاح السيسي أن يزور أمريكا بعد هذه التصريحات؟ كيف يمكن أن نرسل أي رسالة دبلوماسية إلى إدارةٍ تقود مشروع إبادة جماعية؟ هل نقابل من يخطط لاقتلاع الفلسطينيين من وطنهم كأننا حلفاء له؟ هل نُظهر أي نوع من القبول الضمني بهذه المؤامرة القذرة؟ هذه الزيارة، إن تمت، ستكون ضربةً قاصمة للموقف المصري والعربي، وستُفهم - إن لم يصدر أثناءها رفض حازم يبطل ماكان ينويه ترامب - على أنها خضوعٌ للمشروع الصهيوني الجديد، فهل نقبل بأن تكون مصر شاهد زور على جريمة تهجير الفلسطينيين؟
ترامب والصهيونية: مخطط إبادة علني
تصريحات ترامب لم تأتِ من فراغ، بل هي امتدادٌ لسياسات أمريكية وصهيونية قديمة، لقد بدأ هذا المخطط منذ أن قررت القوى الاستعمارية زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية، ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف المؤامرات التي تهدف إلى تفريغ فلسطين من أهلها، منذ النكبة وحتى اليوم، المخطط واحد والهدف واحد، ولكن ما يفعله ترامب اليوم هو وضع الخطة النهائية أمام الجميع، بلا تجميل، بلا أكاذيب، بلا مواربة، يقولها بكل وقاحة: "غزة يجب أن تكون ملكًا لإسرائيل، وسنطرد الفلسطينيين"
إنها ليست مجرد كلمات، بل هي إعلانٌ صريحٌ عن مخطط اقتلاعٍ بشري، يشبه ما فعلته أمريكا مع سكانها الأصليين، عندما أبادت شعوبًا كاملةً واستولت على أرضهم، واليوم يريدون إعادة السيناريو في فلسطين، لكنهم لا يدركون أن غزة ليست مجرد قطعة أرض، غزة هي المعركة الأخيرة التي ستحطم أوهامهم، غزة ليست للبيع، فلسطين ليست للبيع، ومن يظن أن أمة بأكملها ستسمح بتمرير هذه الجريمة فهو واهمٌ وغبي
لماذا يجب على الرئيس السيسي رفض زيارة أمريكا فورًا؟
أي زيارة رسمية إلى واشنطن في هذا التوقيت الحساس ستكون بمثابة اعتراف ضمني بأننا نقبل بهذه المهزلة، وستُفسر على أنها خضوعٌ واستسلامٌ أمام المشروع الصهيوني الجديد، وهذا أمرٌ لا يليق بمصر ولا بمكانتها التاريخية، يجب أن يكون الرد المصري حاسمًا وقاطعًا، برفض أي لقاءٍ مع إدارةٍ تروج لمثل هذه الجرائم، يجب أن يكون الصوت المصري واضحًا: لا تفاوض مع من يخطط لسرقة أوطاننا، لا جلوس مع من يتحدث عن اقتلاع شعبٍ بأكمله من أرضه، لا زيارة لدولةٍ يديرها مجرمٌ سياسي يتعامل مع الدول العربية وكأنها مستعمرات تابعة له.
إن الرئيس السيسي، كرئيس لدولةٍ بحجم مصر، يجب أن يدرك أن هذه الزيارة، إن تمت، دون أن تنجح في إبطال المخطط، ستكون وصمة عارٍ في التاريخ، لن ينساها المصريون ولا العرب، لن يغفرها الأحرار، ولن تمر مرور الكرام، نحن لا نناشد ولا نطلب، بل نؤكد ونحذر، أن زيارة أمريكا في ظل هذه التصريحات ستكون بمثابة الطعنة القاتلة للقضية الفلسطينية، ومصر لا يمكن أن تكون جزءًا من هذا المخطط
مصر ليست تابعًا لأمريكا ولن تكون
إننا في مصر لا ننسى أن الولايات المتحدة لم تكن يومًا حليفًا حقيقيًا للعرب، بل كانت دائمًا الداعم الأول للعدو الصهيوني، لم ننسَ دعمها اللامحدود لإسرائيل بالسلاح والمال، لم ننسَ كيف استخدمت الفيتو عشرات المرات لحماية مجرمي الحرب في تل أبيب، لم ننسَ كيف كانت تخطط دائمًا لإبقاء المنطقة في حالة فوضى وحروب لا تنتهي، فهل يُعقل أن نزور دولةً تقود مشروع إبادة شعب بأكمله؟ هل يمكن لمصر أن تجلس مع إدارةٍ تصفق للقتلة وتمنحهم الضوء الأخضر لارتكاب الجرائم؟ هذا ليس مجرد خطأ سياسي، هذا سقوطٌ أخلاقيٌ لا يمكن غفرانه
ما المطلوب الآن؟
المطلوب هو موقفٌ مصريٌ واضحٌ لا يحتمل التأويل، لا مجال للمراوغة أو التصريحات الدبلوماسية الباهتة، المطلوب إعلان رسمي برفض الزيارة، وإدانة تصريحات ترامب بأشد العبارات، وقيادة تحرك عربي وإسلامي لوقف هذه المهزلة، لا يمكن لمصر أن تصمت، لا يمكن أن نظهر بموقف الضعيف، لا يمكن أن نرسل أي إشارةٍ توحي بأننا نفاوض على القضية الفلسطينية، فلسطين ليست للبيع، ولن تكون.
رسالة إلى كل من يفكر في المهادنة
من يظن أن المهادنة والتفاوض قد تنقذ الموقف فهو واهم، من يظن أن التزام الصمت قد يجنّبنا المواجهة فهو غبي، القضية الآن أصبحت واضحة، نحن أمام محاولةٍ جديدةٍ لمحو فلسطين من الخريطة، فإما أن نقف بكل ما نملك لإسقاط هذا المشروع، أو نكون جزءًا منه، ولا خيار ثالث، التاريخ لن يرحم، والأمة لن تغفر، والشعوب لا تنسى
لا لزيارة الرئيس السيسي إلى أمريكا، لا لمفاوضاتٍ مع قتلة الأطفال، لا لأي لقاءٍ مع إدارةٍ تتحدث عن تهجير الفلسطينيين كأنهم قطعان ماشية، لا لمصر أن تكون طرفًا في مؤامرة خسيسة، لا لصمتٍ يُفسر على أنه خيانة، مصر كانت وستظل القلعة التي تتحطم عليها كل مؤامرات الاستعمار، ومن يظن أننا سنركع فهو لم يقرأ التاريخ جيدًا
مصر لا تبيع شرفها، ولا تساوم على حقوق شعوبها، ولا تقف متفرجةً على إبادة شعبٍ شقيق، وإذا كان هناك من يخطط لتمرير هذه الجريمة، فليعلم أنه سيواجه شعوبًا لا ترحم المتخاذلين، ومن يظن أن فلسطين ستُمحى فهو أحمق، لأن فلسطين ليست مجرد أرض، فلسطين هي عقيدة، ومن يقترب منها سيحترق بنارها.
------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس