في لحظة تاريخية فارقة، تكشفت نوايا المشروع الصهيوني وحلفائه بوضوح غير مسبوق. لم يعد الأمر مجرد تكهنات أو قراءات سياسية، بل إعلان صريح من رموز هذا المشروع، أمثال دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، عن نوايا التوسع دون أي مواربة، واحتقارهم التام للسيادة العربية واستقلال القرار الوطني. هذه المرحلة تتطلب من الدول العربية إعادة النظر بجدية في مواقفها، وإدراك أن دعم المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، لم يعد مجرد خيار سياسي، بل بات ضرورة وجودية لحماية الأمة العربية بأسرها.
انهيار الدفاع الأول: تهديد للأمن القومي العربي
لطالما شكّلت القضية الفلسطينية البوصلة الحقيقية للأمن القومي العربي، ومنذ عقود ظلت المقاومة الفلسطينية، رغم محاولات حصارها وعزلها، الحاجز الأول أمام تمدد المشروع الصهيوني. اليوم، وفي ظل تواطؤ دولي فاضح، يبدو أن الاحتلال يسابق الزمن لفرض أمر واقع جديد، يهدد ليس فقط فلسطين، بل كل دول الطوق المحيطة.
ما يحدث في الضفة الغربية، وخاصة في جنين، هو نموذج صارخ على هذا التمدد. فالاحتلال لا يكتفي بالحرب على غزة، بل يصعد من هجماته في الضفة من خلال التدمير والتهجير الممنهج، في محاولات واضحة لخلق واقع جديد يُفقد الفلسطينيين أي إمكانية لقيام دولة مستقبلية. اجتياحات يومية، تصفية للكوادر المقاومة، اعتقالات بالجملة، وهدم مستمر للمنازل، في مشهد يعيد إلى الأذهان نكبة 1948 بأسلوب أكثر منهجية ووحشية.
المقاومة الفلسطينية: الحصن الأخير أمام انهيار الأمة
المقاومة الفلسطينية، رغم كل المؤامرات التي حِيكت ضدها، استطاعت الصمود وتحقيق إنجازات على الأرض، أثبتت أن المقاومة ليست مجرد شعار، بل مشروع واقعي قادر على ردع الاحتلال وكسر عنجهيته. ومع ذلك، فإن الاحتلال لم يخفِ نواياه بعد انتهاء مرحلة تبادل الأسرى، حيث خرج قادة اليمين المتطرف في إسرائيل بتصريحات صريحة تدعو إلى إعادة احتلال غزة وضربها بقوة حتى يتم تهجير سكانها بالكامل. هذه المخططات، التي رفضتها مصر والأردن شكليًا، تعكس حقيقة الرؤية الإسرائيلية لغزة: إما الإبادة أو التهجير القسري.
إن الموقف العربي الرسمي من المقاومة بات اليوم تحت المجهر. فإما أن تدرك الأنظمة العربية أن دعم المقاومة الفلسطينية ليس مجرد دعم لحركة، بل هو استثمار في أمنها القومي وحماية لحدودها، أو أن تستمر في سياستها المتخاذلة، ما يجعلها شريكة ضمنيًا في تسهيل التوسع الصهيوني، الذي لن يتوقف عند حدود فلسطين.
من لا يرى أن المقاومة الفلسطينية اليوم هي درع الأمة، فإنه يخدع نفسه. ومن يظن أن الاحتلال سيقف عند نقطة معينة دون أن يواصل مخططه التوسعي فهو واهم. اليوم، المعركة لم تعد فقط بين الفلسطينيين والاحتلال، بل بين مشروع الهيمنة الصهيونية ومصير الأمة العربية والإسلامية برمتها.
إن اللحظة الراهنة لا تحتمل الحياد، والتخاذل فيها ليس سوى انتحار سياسي وقومي. المقاومة ليست خيارًا ترفيهيًا، بل هي خط الدفاع الأول، والرهان الوحيد الذي أثبت فاعليته أمام عدو لا يفهم إلا لغة القوة. فهل تعي الأنظمة العربية هذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟
--------------------------------
بقلم: عزالدين الهوارى