في ضوء التصعيد المستمر الذي تشهده غزة، لم يعد هناك مجالٌ للتساؤل حول أهداف الاحتلال الإسرائيلي من هذه الحرب، بل بات المخطط واضحًا أكثر من أي وقتٍ مضى: إبادة غزة كليًا وتحويلها إلى جحيمٍ لا يُطاق، لدفع سكانها إلى النزوح القسري، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان نكبة 1948 ونكسة 1967، لكن هذه المرة بأساليب أشد قسوة، وتحت غطاءٍ سياسيٍّ إقليميٍّ ودولي.
نتنياهو ينفذ خط ترامب: غزة لن تعود كما كانت
منذ إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أصبح واضحًا أن هناك مشروعًا صهيونيًا يستهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا. قرارات مثل الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وشرعنة الاستيطان، والضغط على الدول العربية لتوقيع اتفاقيات التطبيع دون أي التزام إسرائيلي تجاه الفلسطينيين، كانت مجرد خطوات تمهيدية لمرحلة أخطر.
اليوم، حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، والتي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تعمل على تنفيذ هذا المخطط بحذافيره. تصريحات نتنياهو الأخيرة، التي قال فيها إن "فكرة الدولة الفلسطينية انتهت بعد 7 أكتوبر"، تكشف بوضوح أن الاحتلال لم يعد يرى حتى ضرورة إخفاء نواياه، بل بات يسعى علنًا لفرض أمرٍ واقعٍ جديدٍ يقوم على محو غزة ككيانٍ بشريٍّ وسياسيٍّ وجغرافيٍّ.
في هذا السياق، تظهر بصمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتحديدًا AIPAC، التي تضمن دعمًا سياسيًا وعسكريًا مطلقًا من واشنطن، حيث تتحرك الإدارة الأمريكية وفق أجندة الاحتلال بشكلٍ كامل، مما يفسر الصمت الدولي تجاه جرائم الحرب المستمرة.
الإبادة أولًا.. ثم التهجير القسري
المخطط الإسرائيلي الحالي يُنفَّذ على مرحلتين متتاليتين:
1. تدمير غزة بالكامل وجعلها غير قابلة للحياة
قصفٌ عشوائيٌّ ومستمر يستهدف الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية، لتحويل غزة إلى منطقةٍ مدمرةٍ بالكامل.
فرض حصار خانق يمنع دخول الغذاء والدواء والمياه، ما يؤدي إلى كارثةٍ إنسانيةٍ تُجبر السكان على الهروب بحثًا عن النجاة.
استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا لضمان عدم قدرة المدينة على استعادة عافيتها بعد انتهاء العدوان.
2. فرض النزوح الجماعي بالقوة
دفع المدنيين إلى الخروج من غزة عبر معبر رفح، تحت الضغط العسكري والمجاعة وانعدام الخدمات الأساسية.
ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على مصر لفتح الحدود أمام النازحين، مما يسهل تنفيذ خطة إخلاء القطاع من سكانه.
توجيه الفلسطينيين النازحين نحو مناطق أخرى مثل الأردن، بل وطرح سيناريوهات لنقلهم إلى دول بعيدة مثل المغرب أو الصومال، في محاولةٍ لإنهاء الوجود الفلسطيني الجغرافي في المنطقة.
المجتمع الدولي أمام اختبار أخير
المؤشرات الحالية تُظهر أن واشنطن وعواصم القرار الغربية تدرك تمامًا هذا المخطط، لكنها تغض الطرف، بل وتشارك في تنفيذه عبر دعم غير محدودٍ لإسرائيل بالسلاح والمواقف السياسية المنحازة.
أما الأنظمة العربية، فحتى الآن، لم تتخذ موقفًا حاسمًا يمنع تنفيذ هذه الجريمة. فمصر، التي تدرك خطورة المخطط على أمنها القومي، تتعرض لضغوطٍ هائلةٍ لفتح المعبر بشكلٍ دائمٍ تحت مبرراتٍ إنسانيةٍ، بينما الأردن يواجه سيناريو مشابهًا، حيث تعمل إسرائيل على تصدير الأزمة إليه، لتعيد إحياء مشروع "الوطن البديل" في الضفة الشرقية.
السؤال الآن: هل ستستمر هذه الأنظمة في الصمت، لتجد نفسها لاحقًا أمام واقعٍ لا يمكن التراجع عنه؟ أم ستتخذ موقفًا تاريخيًا يمنع تنفيذ مخطط التهجير القسري الذي سيُعيد تشكيل المنطقة بأكملها، ويهدد أمنها واستقرارها لعقود قادمة؟
التحذير الأخير: لا تكرروا خطأ 1948 و1967
ما يجري اليوم ليس مجرد حرب، بل إعادة إنتاج لنكبةٍ جديدةٍ، لكن بوسائل أكثر وحشية. الصمت العربي، والتواطؤ الدولي، يفتحان الباب أمام تنفيذ هذا المخطط دون مقاومةٍ حقيقيةٍ. وإذا استمرت هذه السياسات، فلن تكون غزة وحدها الضحية، بل ستتسع دائرة التهديد لتشمل كل دول المنطقة.
الوقت لم يعد في صالح أحد. إذا لم تتحرك الأنظمة العربية والمجتمع الدولي بشكلٍ جادٍّ وسريعٍ، فإن الأيام المقبلة ستشهد جريمةً تاريخيةً ستظل وصمة عارٍ في جبين كل من صمت أو تواطأ أو اكتفى بالمشاهدة.
------------------------------------
بقلم: عز الدين الهواري