05 - 05 - 2025

القدس لن تتحرر بالدموع !

القدس لن تتحرر بالدموع !

ما تفعله إسرائيل في فلسطين يستحق وقفة جادة وصارمة ومع ذلك فأن هناك العديد من العقلاء الحكماء الذين سوف يبادرون بالحض علي ممارسة ضبط النفس ، وبأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان أو كائن أو سيكون ، أو بأن الباب الذي يجيئ لك منه الريح ، سده وأستريح ، إلي آخر هذه العبارات التي نحتها الزمن علي جدران الهوان والذلة والمسكنة . وهناك أيضاً العديد من الدراويش الذين سوف يقلبون أوراقهم الصفراء كي يستحضروا عفريت من الجن كي يثأر لهم من الأعداء ويشتت شملهم ، أو ينسبون ذلك إلي القضاء والقدر الذي ينبغي علي المرء أن يتحمله دون اعتراض ، وأن يأخذ الصفعات علي قفاه ويحمد الله أنه لا يزال حياً .. ولكن هل هذه حياة ؟؟ .

أكثر من بليون مسلم يجلسون ضمن باقي بلايين العالم في مقاعد المتفرجين ، ومن الصحيح أن بعضهم يلوي شفتيه إمتعاضاً ، وبعضهم الآخر يذرف الدمع الهتون في المساء ، ولكن من المؤكد أن الأغلبية تكظم الغيظ كي تفرغه في نسائهم وأطفالهم .. والمسألة بالفعل تتطلب تحليلاً نفسياً للتعرف علي الحالة التي يعيش فيها أكثر من بليون مسلم وهم يشاهدون ذلك الإمتهان غير المبالي لأقدس ما يعتزون به .

إن قراءة الواقع وبعض دروس التاريخ تؤكد بشكل لا يمكن مجادلته أن سياسة القوة العمياء وغرورها سوف تنقلب في النهاية علي أصحابها ، ولكن يبدو أن العمي قد بلغ مداه إلي درجة إنعدام القدرة علي القراءة أو الفهم ، لقد نجحت إسرائيل ومن خلفها أمريكا في خلق حالة من العداء غير مسبوقة ، وظني أن هناك آلاف المدارس في قري ومدن العالم الثالث تستوعب الآن الدرس الذي أرادت تلك القوي الجبارة أن تلقنه للعالم ، فالحق هو أن تمتلك القوة وتمارسها ، والباطل هو أن تكون ضعيفاً ، وربما أنتهت معسكرات القاعدة في أفغانستان ، وربما زالت حماس والجهاد الإسلامي من الأرض الفلسطينية ، ولكن من المؤكد أن ما يتم بذره اليوم بالقنابل وسفك الدماء سوف ينمو مع كل طلعة شمس في بلاد المغلوبين علي أمرهم ، وسوف يخلق غابات من الكراهية تتضاءل أمامها عمليات القاعدة أو حماس ، وأسارع بالقول بأن تلك المنظمات لم تكن لتنجح في تسويق قضيتها بنفس النجاح الذي حققته تلك المذابح التي أكدت المنطق السائد ، منطق القوة وغلوائها .

أي عزاء الآن يمكن أن نتقدم به لأسر ضحايا إسرائيل وأمريكا إذا كانت جثث ضحايانا لا تزال ممزقة في العراء؟ ، أي سلام يمكن أن يتجرأ أحد بالحديث عنه وقد أقترن ذلك السلام بالهوان والإستسلام ؟ ، لقد تحدثت إسرائيل عن سلام القوة ، وهي يعني بالنسبة للفلسطينيين سلام الضعف ، وتحدثت أمريكا عن سلام العالم ، وهي تعني ركوع العالم لرغباتها وأهوائها ، ويكفي أن أثنين فقط في العالم يطبلان الآن بشدة وفرحة طبول الحرب ، وهما الرئيس الأمريكي ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي .

أن الرهان الأعظم الذي يراهن عليه هؤلاء المخططين الإستراتيجيين في واشنطن وتل أبيب هو هوان وضعة الأغلبية الصامتة من الشعوب المغلوبة علي أمرها ، الرهان الأعظم هو أن تلك الأغلبية ستظل مشدوهة منبهرة بلهاء في مقاعد المتفرجين ، ولقد كان ذلك نفس رهان المخططين أثناء حرب فيتنام وما قبل حرب العبور بدقائق قليلة ، إلا أن هذه المقامرة قد تؤدي في بدايتها إلي أرباح محدودة ، ولكنها في النهاية خسارة مؤكدة لأنها رهان علي مجهول ، وهذا المجهول معلوم لمن يفهم دروس التاريخ ، ومن يعرف أن البراكين التي تبدو خامدة لا تصدر نشرة صحفية قبل أن ترسل حممها وجحيمها .
--------------------------
بقلم: معصوم مرزوق *
* مساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات اخرى للكاتب

محاكمة قناة السويس في بريطانيا!