بدت ملامح وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عادية بينما تنطلق كلماته مثل القذائف، تحرق بلا رحمة أحلام شعب لم يكد يخرج من حرب إبادة شرسة حتى فوجئ بمؤامرة للتهجير، وسرقة ماتبقى من أنقاض وطن، لم يكلف مدبروها أنفسهم بإحكامها أو التخفيف من حدتها وقسوتها، بل جاءت واضحة صريحة إلى حد الفجاجة والتبجح والفجور.
كلمات ترامب توالت سريعة حارقة مثل حمم بركانية .. قصفها في وجه العالم بلا أدنى خجل. تحدث عن حتمية تهجير الفلسطينين من غزة إلى مصر والأردن ودول أخرى. استند في تسويغ مؤامرته بالدمار الذى لحق بغزة فلم تعد صالحة للحياة، وتناسى أنه من ساعد بقوة الكيان المحتل في حرب الإبادة التي استهدفت الحجر والبشر بلا هوادة !!
لم يبدُ مثلما وصفه البعض بمقاول نهم وسمسار طماع متصيد للفرص، لكنه بدا أقرب لنخاس يبيع الأوطان فى سوق نجس، يمحو التاريخ ويطمس الجغرافيا ويبيد البشر ويهدم الحجر يزيف الواقع ويفرض واقعا مغيرا من إبداع شطحات نزوقه وحلمه اللا مشروع ..
تتحول غزة في أضغاث أحلامه وكابوس واقعنا إلى ريفييرا !! ومن قال أنها ليست كذلك في عيون أصحابها .. بيدهم أن يحولوها إلى ذلك فقط إذا ماتمكنوا من إقامة دولتهم المنشودة .. تبدو في عيونهم غزة رغم الدمار وطنا يحتضنهم، يحمل تاريخهم ذكرياتهم رفات أحبائهم وحلمهم الأبدى رغم يقينهم بأنه صعب المنال.
هل يحتاج من يخطط لتهجيرهم منه دليلا آخر على الصمود والتمسك بتراب ذلك الوطن !! هل يحتاج أحد إلى دليل يؤكد مدى الصمود والعزيمة والإصرار للبقاء في حضن الوطن، حتى لو كان أنقاضا!! هل يحتاج أحد إلى دليل بعدما بدا مشهد الرجوع لشمال غزة بعد وقف إطلاق النار قويا مؤثرا، داعيا للفخر من شعب ضرب في صموده أروع مثال للتضحية والصبر والفداء.
لم يبدُ المشهد كذلك بالطبع في عيون ترامب ولا نتنياهو، بل على العكس ربما دفعهم لمزيد من التنكيل بلا هوادة وبلا رحمة وبلا مواربة أو أدنى ذرة من التفكير في ردود فعل العالم على مثل هذه الخطة المتبجحة في فجاجتها واستفزازها !!
تماما مثل نخاس في سوق يبيع في مخيلته الأوطان .. يقصى صاحب الأرض وينصب نفسه مكانه، وزع الأدوار والمهام .. مصر والأردن يمكنهما في نظره استقبال أعداد من سكان غزة ودول أخرى غيرهما .. أما الجميلة مطمع النخاس فستكون ملكية طويلة الأمد لبلاده!!
مثل ضربات معول شرس أطاح حلمه الكابوسى برؤوسنا .. لم يغمض لنا جفن، شعرنا بخطر متربص أردنا أن نستيقظ لمواجهته، خشية أن تسرق منا أوطاننا ونحن مازلنا نياما!!
لم تعرف عيوننا النوم فهل هدأت عيون الحكام!
حقيقة لا أعرف، هل شاركونا نفس الشعور بحجم وكارثية الخطر؟ أم أنهم لا يحلمون سوى ببقاء العروش والجاه والسلطان !! متجاهلين بأن لا معنى للعروش إذا ماضاعت الأوطان !!
لاننتظر بيانات ولاتصريحات ولا أية كلمات مهما بدت رافضة شاجبة إحتجاجية، بل نريد مواقف حاسمة حازمة رادعة صريحة قوية، تماثل في ردها ما يتناسب مع حجم الخطر وقدر التبجح وكم الغطرسة التي بدا عليها نخاسو الأوطان .
وفوق ذلك معبرة عن حالة الغليان التي تكتوى بها كل نفوس الشعوب الأبية الرافضة للتقزم، الراغبة في الحفاظ على ماتبقى من كبرياء وكرامة ونخوة لإعلاء شأن الأوطان والحفاظ عليها من مؤامرة المتربصين بها، والساعين دوما لإحتلالها ونهب خيراتها وثرواتها .
هي معركة وجود، نكون فيها أو نذهب جميعا للجحيم غير مأسوف علينا ولا نستحق فيها أية رحمة.
-----------------------
بقلم: هالة فؤاد