مغامرة أو مقامرة لا فرق . النتيجة واحدة تكلفة باهظة يدفعها المواطن الأمريكي قبل غيره . وكما يشاع .. ينقلب السحر على الساحر.
فمنذ فرض ترامب رسومه الجمركية على شركاء الولايات المتحدة الأمريكية التجاريين كندا والمكسيك والصين تتوالى الردود الانتقامية والعنيفة في أسواق تلك البلدان.
ومن ثم ترتفع تكلفة السيارات والغذاء والطاقة والإسكان، وتستعد الشركات للاضطرابات، والركود الإقتصادي من جديد.
في مستهل فبراير، أعلن البيت الأبيض عن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من كندا والمكسيك، إلى جانب تعريفات جمركية بنسبة 10% على النفط الكندي والسلع الصينية.
وبررت إدارة ترامب هذه الخطوة باعتبارها إجراءً أمنياً قومياً لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار في الفنتانيل.
رئيس وزراء كندا رد على هذا الإجراء على الفور، معلنا فرض رسوم جمركية انتقامية على بضائع أميركية بقيمة 107 مليارات دولار.
أحد أبرز نتائج تلك المقامرة على سبيل المثال صناعة الأغذية التي ستتعرض للخطر بشدة ، إذ تستورد الولايات المتحدة سلعاً زراعية بقيمة 45 مليار دولار من المكسيك و40 مليار دولار من كندا سنوياً، بما في ذلك اللحوم والحبوب والخضروات والفواكه.
ثاني أهم القطاعات التي ستتأثر بشدة في الولايات المتحدة هي قطاع الطاقة، ذلك أن كندا تزود الولايات المتحدة بنحو 60% من احتياجاتها من النفط الخام المكرر، ورغم أن البيت الأبيض فرض رسوماً جمركية بنسبة 10% فقط على واردات الطاقة لتجنب صدمة أسعار الوقود، فإن هذه الرسوم من شأنها أن تزيد من تكاليف الوقود بالنسبة للمستهلك الأمريكي.
واعتبرت كندا الرسوم الجمركية “عملا من أعمال الحرب الاقتصادية” ، في إشارة إلى أن ترامب يستخدم هذا السلاح الاقتصادي والتجاري لتحقيق مكاسب سياسية، التي اتضحت جلية في إشارة إلى ضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية ، وهو ما اعتبره جيرانهم الشماليين تهديدا حقيقيا مباشرا ووسيلة ضغط غير مباشرة لا يمكن قبولها .
ترامب الذي أعلن من قبل عن أجندة لإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) أو الانسحاب منها بالكامل، أجبر دولا كانت تعتبر الولايات المتحدة شريكا رئيسيا على الدخول في حرب معها وفرض تعريفات جمركية انتقامية وإجراءات وقائية مضادة.
وصلت إلى تهديد ترودو، بأن فرض رسوم جمركية على كندا من شأنه أن يعرض وظائف الأمريكيين للخطر.
فيما بلغت قيمة السلع المستهدفة من قبل الإدارة الأمريكية بهذه الرسوم نحو 1.4 تريليون دولار.
أضف إلى ذلك تحذيرات مؤسسات اقتصادية عالمية من التداعيات الخطيرة لهذه الحرب التجارية، التي ستكلف الاقتصاد الأميركي وحده 280 مليار دولار هذا العام. كما ستؤدي إلى ركود اقتصادي في المكسيك، فيما ستتكبد كندا خسائر سنوية تتجاوز 77 مليار دولار. حيث يمثل الشركاء التجاريين الرئيسيين الثلاثة للولايات المتحدة معاً أكثر من 40% من واردات أمريكا. ناهيك عن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا
أما حجة ترامب فهي من وجهة نظره الوسيلة الأكثر والأسرع تأثيرا ، فهي بمثابة أداة تفاوض سحرية، لكسب النفوذ، ومعالجة المخاوف الرئيسية، بما في ذلك العجز التجاري، والهجرة غير الشرعية، وتدفق المخدرات .
فهل تحقق مغامرة ترامب التجارية أهدافها الإستراتيجية ، وإن تحققت هل يتحمل المواطن الأمريكي تبعات تلك الإجراءات التي يبدو وأنها ستضره أكثر مما تضر مواطني الدول المستهدفة ، وسيفقد على إثرها ملايين الأمريكيين وظائفهم مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية بما فيها الوقود .
------------------------
بقلم: كوكب محسن