16 - 02 - 2025

وجهة نطري | درجات الدين

وجهة نطري | درجات الدين

لم أتحمس كثيرا لقرار وزير التعليم بإضافة مادة الدين لمجموع درجات الطلاب .. ولم أقتنع كثيرا بأن يكون الهدف وراء ذلك كما روج الداعمون لذلك القرارهو تقويم سلوك أولادنا وتهذيب إعوجاجهم الأخلاقى، بعدما تمكنت منهم مظاهر العنف والبلطجة والتنمر وسلاطة اللسان والبذاءة والتردى في أخلاقهم سواء داخل المدرسة أو خارجها ..

يقينى أن تحقيق ذلك لايتم أبدا بتلك الوسيلة .. فالدين أساسه المعاملة وتطبيق تعاليمه في الحياة لتنطلق قيمه من سلوك المتمسكين به وليس من ألسنتهم المرددة ماحفظوه وتلقنوه بدون تدبر أو حكمة لمجرد صب قيمه في ورقة إمتحان، بينما يخلو القلب وتفتقد الروح قبس نوره وهدايته ..

ودعونا نعترف أن منظومة التعليم الحالية يستحيل معها تقويم سلوك الطلاب حتى لو أضفنا مادة الدين ورفعنا من تقديراتها لنجعلها على قمة المواد الدراسية التي يحصلها الطالب ويتحدد بها مصيره ..

وتخيلوا معى حال الطلبة وقد أجبرهم القرار للإسراع إلى دروس خصوصية في مادة الدين !!

أو حال بعضهم وهو يلجأ إلى عمل مايعرف "بالبرشام" كما كان يطلق عليه جيلنا للإستعانة به في تقديم الإجابات النموذجية للحصول على أعلى الدرجات بالغش  !!

تخيلوا معى الهرج في لجان الإمتحان بعد تسريب مادة الدين أو في إذاعة الإجابات بالميكروفونات كما اعتادت بعض اللجان أو حتى بقيام الطلبة فيما بينهم بالغش في تلك اللجان !!

تخيلوا معى أن تكون الإجابة على أحد الأسئلة الإستشهاد بحديث الرسول الكريم "من غشنا فليس منا" !!

تخيلوا معى حال طالب رفض أن يغش في مادة الدين فخسر درجات لم تؤهله لتحقيق حلمه، بينما آخر لم يتوان عن الغش بكافة الاشكال حتى حصل على أعلى الدرجات !!

تخيلوا معى أن يتخرج لدينا مهندس غش في الدين ودكتور غش في الدين ومدرس ومحامى وصحفى كلهم حفظوا أسس الدين وتجاهلوا سلوكه وقيمه وتعاليمه ..

الدين أساسه المعاملة .فماذا يعود علينا من حفظ تعاليمه بينما سلوك المجتمع كله يتنافى مع تلك التعاليم ..

كيف نزرع تلك القيم في نفوس أبنائنا، بينما نرى طبيبا يتاجر بآلام مرضاه ومدرسا يجبر تلاميذه على الدروس الخصوصية وصحفى ينافق السلطة متجاهلا أنات ومتاعب البسطاء المفترض أن يكون صوتهم المعبر عنهم ..ومحام لايدافع عن المظلوم بقدر دفاعه عمن يدفع له أتعابا أكثر !! وقاضيا يكيل بمكيالين ليتحول العدل عنه لمجرد كلمات محفورة على لافته تعلو رأسه بينما لايعرف حكمه ترجمة حقيقية لها !!

هل يمكن أن نقوم إعوجاج مجتمعنا بمجرد إضافة الدين للمجموع، أم أن الأمر يتطلب إعادة النظر فيما وصلنا إليه من تردى فنسعى بصدق لمواجهته بحكمة وتحدى وإرادة حقيقية للتغيير !

قبل أن نضيف الدين للمجموع علينا ألا نتناسى أن تعاليم الدين تحثنا على القوة وأن المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وأن علينا أن نعد دوما لعدونا ونشحذ كل قوتنا وما استطعنا به لنبث الرعب في عدونا ونردعه عنا وعن أوطاننا واستهدافنا واستباحتنا!!

فهل ماوصلنا إليه من ضعف وتخاذل وتواطؤ وخزى في مواجهة العدو ونصرة الشقيق تشى بأن في قلوبنا ذرة من تقوى أو إيمان أو نخوة !!

هل مانعانى منه من خوف ورعب ووأد للحرية وكتم للأصوات وتغييب أصحاب الآراء الحرة خلف قضبان السجون يتماهى مع تعاليم الدين التي تحثنا أن يكون الأمر شورى بيننا !!

هل التزمنا بتعاليم ديننا التي تخبرنا بأن في إتحادنا قوة أم تركنا لأهوائنا ومصالحنا تحركها وفق ماتفرضه مكاسبنا الشخصية ومنافعنا، فتشرذمنا وتفرقنا وضعفنا وتمكن كل أعدائنا منا !!

لن ينقذنا من واقعنا المحبط المرير إضافة الدين للمجموع، فالسبيل الوحيد للخلاص هو أن يشكل جوهر الدين سلوكنا وقيمنا وأن ينطق به سلوكنا ومواقفنا وأفعالنا قبل أن تردده ألسنتنا في استعراض فج أو موظف أومتاجرة مفضوحة، فالدين أعظم وأجل وأقيم من أن تدنسه تلك المماحكات.
---------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

نخاسون وأوطان