فى البداية ضرورة ملحة أن نطرح سؤالا: هل للأخلاق دور في إعادة التوازن وضبط إيقاع الفرد والمجتمع أخلاقيا، والعودة بقيمه سيرتها الأولي وإزالة الغبار من علي جوهرة القيم المصقولة لإعادتها براقة لامعة من جديد من أجل نهضة شاملة، نهضة أخلاقية ينعكس أثرها علي الجميع.
يتعرض الإنسان لتجارب كثيرة في حياته تكسبه خبرة، سواء خبرات سلبية أو خبرات إيجابية، كأن يخوض مثلا تجربة حب مراهقة، أو حب زميلته في الجامعة، وقد تنتهي هذه العلاقات نظرا لظروف ما، سواء إجتماعية كعدم القدرة علي نفقات الزواج، أو لضعة النسب، من جانب الطرفين، فيحدث الافتراق الذي قد يؤدي بالطرفين إلي الإضطراب النفسي، وقد يودي إلي الإدمان، أو حتي قد يؤدي إلي الانعزال عن الآخرين وفقدان الثقة بمن حولهم .
وهذا قد يقود إلي الرذيلة والمنكرات بالضرورة، أو علي أقل تقدير شعور بالدونية، فيصب المحب وابلا من اللعنات علي مجتمعه الطبقي، ويحدث مالا يحمد عقباه من الوقوع في براثن الخطيئة.
والعكس قد يخوض الإنسان تجربة، وحياتنا كلها خبرات وتجارب ، ناجحة كأن يذاكر ويجتهد ويجد النتيجة، النجاح والتوفيق، فيشعر بالسعادة العارمة ويقوده ذلك إلي الإنطلاق إلي الإمام، لا العود القهقري إلي الخلف، كالحالة السلبية.
لكن إذا أخذنا المسألة من زاوية تخصصية، من خلال وجهة نظر مفكري الأخلاق، فإن المسألة قد تختلف بعض الشئ، بمعني، الخبرات الأخلاقية هنا تكاد أن تكون مختلفة.
وسأضرب مثالا علي ذلك، هب أن شخصا ما متجها إلي منزله بعد يوم عمل شاق وفي وقت متأخر بالليل، وهو يقود سيارته وفجأه، نظر فوجد شابا ملقا علي الأرض غارقا في دمائه صدمته سيارة طائشة يقودها شاب أرعن، صدمه وانصرف لا يأبه بصنيعه، فحمله علي كتفه وذهب به إلي المشفي ليتلقي الإسعافات اللازمة وسلمه للمشفي وأراد الانصراف إلا أن الشرطي احتجزه إلي أن يفيق المصاب من غيبوبته ليتأكد أنه لم يكن هذا الشاب سبب الحادث.
هب أن المصاب فارق الحياة، ماذا ستكون مآلات الأمر، هل بعد هذا الموقف سيقدم الشاب الصالح علي فعل ذلك مرة أخري. أعتقد ستتأرجح الإجابة بين لا لن يفعل، وبين نعم سيفعل، وسيكون لكل فريق مبرراته التي سيقدمها، هذا التارجح هو روح فلسفة الأخلاق.
دراسة أسباب القبول، وكذلك أسباب الرفض
هذا يقودنا إلى تعريف الأخلاق، فقد اختلفت الرؤي والتوجهات لإيجاد تعريف جامع للأخلاق، فهناك من قال هي علم العادة، لكن من المستحيل أن نربط الأخلاق بالعادة، فالعادة من الممكن أن تصدق مرات، وقد لا تصدق مرات أخري.
وهناك من عرف الأخلاق بأنها علم الخير الذي يقودنا إلي الفصائل لنقتنيها، وعلم الشر لنتعرف علي الرذائل ونتجنبها.
وثم تعريف ثالث، هو دراسة ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، ومن هنا فإن الأخلاق ليست علما وصفيا تصف ما هو كائن بل تهتم بدراسة ما ينبغي أن يكون، ومن ثم فهي علم معياري.
وهو يختلف عن علم النفس الذي يهتم بدراسة النفس الإنسانية، أما الأخلاق فتهتم بتهذيب وتربية النفس الإنسانية، وهناك مؤلفات لفلاسفة بهذا المسمي، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لأحمد مسكوية، رسالة أيها الولد للإمام الغزالي، وأيضا رسالة تهذيب الحدث والصبيان لمسكوية، وأدب الدنيا والدين للإمام الماوردي.
كذلك نجد كلمة الأخلاق وردت في القرآن الكريم بمعنيين، الأول، مدح الرسول الأكرم "وانك لعلي خلق عظيم"، والثاني وصف سير الأولين من الأمم التي سبقتنا"إن هذا إلا خلق الأولين"
إذن الأخلاق تهتم بدراسة سلوك الإنسان في تعامله مع الآخرين سلبا أو إيجابا، سلبا لتعالج مواطن الخلل التي أصابته ووصلت به إلي هذه الحال، وايجابا حتي نري كيف نستفيد منه ومن محافظته علي نفسه وسط هذه الأجواء المشحونة بالمتناقضات والمتغيرات.
لكن ثم سؤال، ما الأسباب التي تؤثر في سلوك الإنسان وتحوله من حال إلي حال؟! هل للوراثة دور في ذلك، هل لعوامل البيئة، هل للعوامل الإجتماعية دور في تشكيل السلوك الأخلاقي للإنسان.؟!
اعتقد أنها أسئلة مهمة تحتاج منا وقفات ووقفات.
-----------------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان