16 - 02 - 2025

بحبر الروح |"دراكولا" القرن الحادي والعشرين

 بحبر الروح |

منذ أن دارت كواليس السباق الرئاسي الأمريكي خلال الأشهر الماضية، أو بالأحرى، الجحيم الرئاسي، الذي وصفه البعض بأن كليهما سيكون جحيمًا سواء انتهى الماراثون بفوز "هاريس" أو بفوز "ترامب"، والعالم يجلس فوق فوهة بركان. وقد كان بالفعل بعد أن حُسِم السباق بفوز "دونالد ترامب" الذي بدأ فترة رئاسته الثانية بإحضار صندوق من المفاجآت غير السارة، والذي جمع محتوياته بعناية، مُعتمدًاعلى إثارة حالة من البلبلة والاضطرابات.

لقد تقمص "ترامب" دور "بابا نويل" الذي جاء حاملاً للعالم بشائر السلام، والذي توصل إلى عقد اتفاق وقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل، والذي عجز كافة الوسطاء عن إحرازه على مدار أشهر من الموت والجوع والدمار وفك أسر الرهائن، لكنه أخفى في جعبة هداياه قنابل موقوتة راح يقذفها واحدة تلو الأخرى في هدوء الموتى، وهو يواصل مراسم وداعته الزجاجية وحرصه على أن يعيش الفلسطينيون في سلام، هُم في أمس الحاجة إليه. لكنهم بالطبع لن يجدونه وسط قطاعهم الذي تمت تسويته بالأرض على مدار أشهر من القصف وتدمير بنيته التحتية وبات لا يصلح حتى لإيواء الحيوانات الضالة. 

إن الزج باسم مصر والأردن كأحد الأماكن المقترحة لنقل الفلسطينيين من غزة إنما هي محاولة من الرئيس الأمريكي لإثارة القلاقل في المنطقة، خاصة وإن هذا المقترح قُوبل بالرفض القاطع من الرئيس السيسي وملك الأردن عندما طرحته إدارة بايدن في بداية الأزمة. وقد قوبلت تصريحات "ترامب" أيضًا بموقف موحد، من قِبل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، وهو رفص التهجير رفضًا قاطعًا.

ومن القرارات الأخرى التي اتخذها ترامب مع بداية ولايته الثانية، وستكون لها تبعات خطيرة قرار انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، حيث غطت واشنطن حوالي خمس ميزانية المنظمة، ومن شأن القرار أن يترتب عليه إيقاف أي تحويل للأموال والموارد الأمريكية إلى المنظمة واستدعاء جميع موظفي الحكومة الأمريكية والمتعاقدين الذين يعملون بأي صفة مع المنظمة. كما ستوقف الولايات المتحدة المفاوضات بشأن معاهدة الوباء التي تعمل عليها منظمة الصحة العالمية والتي تهدف إلى تحسين استعداد البلدان للاستجابة للأوبئة في حالة حدوث جائحة وتطوير آليات لتقاسم التدابير الطبية المضادة بشكل عادل مثل الأدوية واللقاحات. 

ليس هذا كل شيء، بل ترددت أنباء أيضًا عن تحركات لإدارة ترامب لوقف توريد أدوية فيروس الإيدز والملاريا والسل، والإمدادات الطبية للأطفال حديثي الولادة، في الدول التي تدعمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في جميع أنحاء العالم. ومثل هذه الإمدادات من الأدوية المُتبَرع بها تُبقي 20 مليون شخص مُصاب بفيروس نقص المناعة البشرية على قيد الحياة، ما يعني تعريض هؤلاء للموت، فضلاً عن إمكانية ظهور سلالات مقاومة أشد فتكًا من الفيروسات مقاومة للأدوية الحالية.

والواقع.. لم تكن هذه سوى قمة جبل الجليد، فلا أرى "دونالد ترامب" إلا "مصاص دماء" و "دراكولا" القرن الحادي والعشرين، ومازال ينتظر العالم الكثير مع قاطرة رجل صناعة المال، صاحب شعار "وطني أولاً" الذي يطبقه بنزعة مرضية شديدة النرجسية لا تختلف كثيرًا عن مفهومي النازية والفاشية. فهو يقود عن بُعد قطارًا طائرًا على قضبان عائمة وسيتركه يتحطم دُفعة واحدة عند نقطة حرجة. ربما نحتاج ثَقب قلبه وقطع رأسه قبل أن تتفشى اللعنة بقوانين الأفلام الأمريكية لسلسلة مصاصي الدماء.
-----------------------
بقلم: شيرين ماهر

مقالات اخرى للكاتب

 بحبر الروح |