16 - 02 - 2025

مؤشرات | "ترامب" مُشعل الأزمات والحروب

مؤشرات |

يبدو وبشكل واضح أن الواقع على الأرض في قطاع غزة وفي مجمل القضية الفلسطينية مختلف كثيرا عن كلمات الرئيس الأمريكي (المتهور) دونالد ترامب، فخلال يوم واحد وتحديدا الإثنين الماضي 26 يناير تدفق ما يقارب من مليون فلسطيني عبر الطريقين الرئيسيين المؤديين إلى شمال قطاع غزة، بالتوازي مع الانسحاب للقوات الصهيونية من محور "نتساريم"، وهو الذي يـفـصـل شـمـال الـقـطـاع عـن جـنـوبـه.

وهذه التدفق يؤكد تمسك الفلسطينيين بأرضهم ووطنهم، ويعشقون وطنًا تاريخيا، وليس بلدا مصنوعا مثل أمريكا، وواضح أن "ترامب" بتصريحاته المتهورة يعيش في زمن آخر، ولا يدرك أهمية الأوطان وعشق مواطنيها لها، وأن الوطن ليس له بديل.

وأعتقد أن الموقف العربي من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، برفض كل أحلام وأفكار "ترامب" بشأن تهجير الفلسطينيين إلى بلدان أخرى مثل مصر والأردن، وهذا (الهطل الترامبي) إلى إندونيسيا، مجرد كلام، وربما فوجئ الرئيس الأمريكي المتهور بهذا الموقف العربي الرافض لأحلامه، مهما تمسك بها.

وجاءت الردود العربية واضحة رافضة رفضا قاطعا لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو إخلائها من أصحابها، والتمسك بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.

وما لا يعلمه ترامب وزبانيته أن القضية الفلسطينية هي القضية المحورية في الشرق الأوسط، وأن تسويتها، وإنهاء الاحتلال، وعودة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني هو أساس الاستقرار في المنطقة، مع رفض واضح لفكرة الوطن البديل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أي مكان،  ففكرة الوطن البديل غير مقبولة، بل سيتم مواجهتها.

وجاء الحراك العربي على المستوى الشعبي ومنظمات المجتمع المدني أكثر قوة متناغمًا مع المواقف الرسمية، وكان في مصر أكثر تقدماً، ويسبق مواقف عربية أخرى بخطوات ومسافات، فقد جاء إعلان 10 نقابات مهنية أكثر قوة وتعبيراً، فرغم أن النقابات لا علاقة بالعمل السياسي، إلا أنه وانطلاقا من أن هذه القضية تمس الأمن القومي، جاء موقف النقابات رافضا لتصريحات ترامب، والتحرك في كل الاتجاهات لمواجهة مختلف السيناريوهات.

ولا شك أن إعلان النقابات المهنية العشرة هو مجرد بداية لتوسيع دائرة التضامن والمشاركة في موقفها، رفضا لأي إشارات عن تهجير الفلسطينيين عن أراضيهم، مع دعم الموقف الرسمي المصري الرافض لأي محاولات لتفريغ القضية الفلسطينية بتهجير سكان غزة.

وما لم يعلمه المتهور ترامب، أن المصريين يدركون الخطر الذي يسعى إليه، والدور الأمريكي القذر الداعم للصهيونية في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، والذي قدم أكثر من 50 ألف شهيد، ومئات الألاف من المصابين منذ العدوان الصهيوني الغاشم في 7 أكتوبر 2023، وأي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بالتهجير بعد فشل الحرب في تحقيقها هو أمر مرفوض كليا شعبياً ورسمياً.

وستدق وتزلزل أبواب السفارة الأمريكية بالقاهرة خطابات ورسائل وعرائض الشعب المصري ومختلف المنظمات الرافضة لتصريحات ترامب ومحاولاته لتصفية قضية العرب الأولى، لصالح الكيان الصهيوني، وأن حديثه عن "رؤية سكان غزة يعيشون في منطقة بلا اضطرابات أو ثورات"، ليس إلا كذبة كبيرة، بل عليه أن يعلن تراجعه عن مثل تلك الأفكار (الشيطانية).

الجميع يدرك أن ترامب جاء لرئاسة أمريكا وهو يحمل 34 جريمة مدان فيها، ويريد إدارة القضية الفلسطينية بنفس القرارات والإدارات الأمريكية الفاسدة، - وفقا لوصفه – الذي جاء على لسانه في خطاب تنصيبه، حيث كسر ترامب كل الأعراف واتهم كل الرؤساء الأمريكيين والإدارات الأمريكية في عهودهم بالفساد، وهو ما يمثل اعترافاً بالفساد الأمريكي.

ومن فساد ترامب الجديد وانحيازه الواضح للكيان الصهيوني، أن من بين أوائل قراراته إلغاء العقوبات ضد المستوطنين المجرمين الصهاينة في الضفة الغربية، .. فكيف يأمن أحد لرئيس منحاز للمحتل الصهيوني، ومدان بـ 34 جريمة بالقانون الأمريكي نفسه، ويأمن لأي حل يقدمه لقضية شعب فلسطين، بل لأي من قضايا المنطقة والعالم.. ومن يأمن لرئيس ينتهج سياسة الابتزاز والبلطجة بطلب 500 مليار دولار لزيارة بلد عربي، ويهدد دول الجوار الأمريكي.

وفي مقابل مواجهة رئيس أمريكي يحمل في يده كتلة نار لإشعال الأزمات والحرب ويعلن أمام الملأ "لست واثقا من صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة"، نرفع جميعا قولاً وفعلاَ، ما أعلنته نقابات مصر المهنية ودعما لشعب فلسطين وقطاع غزة، شعارات" لا للتهجير، فلسطين حرة، العودة حق، نعم لإعمار غزة".
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | إفلاس ثنائي شياطين العام والعالم