05 - 05 - 2025

إطلاق إسرائيل علي المنطقة Unleash Israel

إطلاق إسرائيل علي المنطقة Unleash Israel

دعوة ترامب المنشورة  لبنيامين نتنياهو كي يكون أول زعيم أجنبي يزوره رسميا الأسبوع القادم ، من أجل تحقيق السلام لإسرائيل و " مناقشة الجهود لمواجهة الخصوم المشتركة ".

لو صحت هذه الدعوة ، بهذه الصيغة ، وهي علي كل حال تصرف سيادي لسلطة الأمر الواقع في البيت الأبيض ، تعد علي الأقل من حيث الظاهر بمثابة صفعة لكل من توقع أي خيرا من الإدارة الجديدة ، حيث أن الدعوة كان يمكن أن تتم بشكل غير معلن ، مثلما يجري العمل في مثل هذه الحالات من خلال القنوات الدبلوماسية ، لكنها بالصيغة التي حملتها ، والأسلوب الذي اتخذ في أرسالها ، يتضح - بغير ذكاء - أنها لم ترسل للمدعو وحده، وإنما هي في نفس الوقت رسالة لكل من يعنيه الأمر في الشرق الأوسط .

فإذا أضفنا الدعوة المشبوهة التي أطلقها ترامب بشأن نقل الفلسطينيين إلي مصر والأردن ، فأن المعني الوحيد  لكل ذلك هو " إطلاق يد إسرائيل" لتفعل ما تشاء .

إلا أن نفس الدعوة من زاوية أهم ، تعد علي الأقل تحد سافر لقرار المحكمة الجنائية الدولية التي أمرت بالقبض علي وإحضار نتنياهو المشتبه فيه بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .

ولا يقدح في ذلك أن أمريكا ليست طرفا في اتفاقية المحكمة ، لأن النظام الأساسي لها يعد حاليا ذا صفة آمرة فيما يتعلق بالقانون الجنائي الدولي ، بعد تطور هذا القانون منذ اتفاقيات لاهاي ( 1907) ، وجنيف (1949 ) وقواعد نورمبرج (1945) بعد الحرب العالمية الثانية بحيث يمكن القول أنه أصبح من النظام القانوني الدولي العام الذي لا تجوز مخالفته ، وله علي الأقل الوزن المعنوي الذي يفترض احترامه من دولة عظمي مثل أمريكا.

ولاشك أن الإتصالات المشبوهة التي أجراها ممثل ترامب في المنطقة قبل استلامه مهام منصبه رسميا أثارت العديد من التساؤلات ، أبرزها اختيار القاضي نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية رئيسا لوزراء لبنان ، بعد الإجراءات التي اتخذتها تلك المحكمة  فيما يتعلق بجريمة الأبادة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة ، وقبل وصول الرد الإسرائيلي المفترض في يونيو القادم .

هناك من يري أن موقع رئيس المحكمة أهم من أي موقع قيادي في أي دولة ، وإن توقيت اختيار سلام يثير شبهة ضغوط أمريكية لإفراغ موقف المحكمة الواضح من مضمونه ، كي تفلت إسرائيل من تهمة الإبادة.

وفي واقع الأمر ، لم يخف ترامب إستهانته بل واحتقاره للعرب سواء في فترته الرئاسية الأولي أو خلال حملته الإنتخابية ، فهو الذي كان الرئيس الأمريكي الأول الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، بل ويأمر بنقل السفارة الأمريكية إليها ، في تحد سافر ليس فقط لحفنة من قرارات الأمم المتحدة ، بل أيضا لموقف ثابت للإدارات الأمريكية المتتالية ، ومن ذلك مثلا خطاب كارتر المرفق بإتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل .

أعلم أننا لا نعيش في عالم مثالي ، وأن أمريكا حاليا تضغط علي مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية وكافة القضاة ، كي تؤثر علي موقفهم من قرار ضبط وإحضار نتنياهو ، إلا أن انعدام المثالية لا يعني الإغراق في الإنحطاط واحتقار القانون الدولي بهذه الدرجة التي تهدد بالفعل السلم والأمن الدوليين .

ومن ناحية أخري ، ألا ينبغي أن يكون  ذلك الخطاب وصيغته حافزا إضافيا للنظام الدولي العربي كي يتخذ موقفا ، سواء بالدعوة لمؤتمر قمة طارئة في إطار جامعة الدول العربية ، أو لإجتماع لأي عدد يوافق علي أهمية اتخاذ موقف ، أو " وقفة مع الصديق" كي نرسل رسالة واضحة وقوية تقنع ساكن البيت الأبيض التاجر البراجماتي أنه يستعدي عددا كبيرا من دول العالم ، خاصة إذا نجحت الدبلوماسية العربية في التنسيق مع كل الأطراف الدولية المتضررة من سلوك وتصريحات " الإمبراطور الجديد".

هذا الإمبراطور سمسار عقارات ، ولن يفهم إلا لغة القوة ، التي تقنعه أن خياراته قد تفقده الصفقة .
------------------------------
بقلم : معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق

مقالات اخرى للكاتب

محاكمة قناة السويس في بريطانيا!