في حوار مع أحد الباحثين عن الحقيقة وبعض المتسرعين في الأحكام يسمونهم الملاحدة ، كان ذلك في عام 1998 وفي حضور لفيف من الأصدقاء الأدباء وكان من يحاورني حينها شاباً في مقتبل العقد الثالث من عمره ، فسألني بعد ما ودع كلُ منا مسلماته وتحاورنا حوار العقل قال الشاب: لم يحاسبني الله وهو يعلم مسبقاً إن كنت شقيا أم سعيدا من أهل الجنة أو النار، فتذكرت على الفور قول الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرسله في الأمصار "لا تحاجوهم بالقرآن فإنه حمال أوجه" فأجبته على الفور: لو أنك تقود سيارتك وانقطع واير المكابح وصدمت مواطناً فمات على الفور، سيعتبر ذلك قتل خطأ وذلك طبعاً بعد المعاينة الهندسية وسيخلى سبيلك، أما على العكس تماماً لو أن السيارة بحالة فنية جيدة وخاصة المكابح فسوف تنزل بك عقوبة القتل، وأنت يا عزيزي مثل السيارة خلقك الله كسائر البشر وحتى إن اختلفت العقائد والِملل وجعل داخل كل نفس مكابحها (الضمير) صوت الله بداخلك وخلق لك الإرادة البشرية "حرية الاختيار" ما بين الخير والشر " فجورها وتقواها"، لذا تجد وخز الضمير عند كل معصية أو خطيئة، وتجد السعادة في فعل الخير والمضي في دربه وهذا شعور فطري عند كل البشر، ويقول بدر شاكر السياب " أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير وانس الجريمة بالجريمة والضحية بالضحايا لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه وتستطير"، هكذا يموت الضمير فلا تسمع صوت الله بداخلك ،هو موجود لا انتهاء له لكنك لا تسمع فقد انقطع الاتصال ما بينك وبين ضميرك (المكابح)، فصرت كالعربة الطائشة بلا وجهة أو مصير.
وفي النهاية قلت : إن لم يخلق الله الضمير داخل كل نفس بشرية ما حاسبها ولم يكن الثواب والعقاب، وفي النهاية اقتنع الشاب وقال لي: المشكلة أن كل من كان يحاورني كانت أدواته النص الديني، ومن هنا تأتي سطوة النص الفكرية حتى صرت منبوذا بأفكاري حتى داخل أسرتي نفسها ، المهم تصافحنا وانتهى اللقاء وهو كله قناعة بما كان من حجة وبيان، ودون أن أشعره بالقهر الفكري.
وهنا يجب أن نفرق بين من يبحث عن درب الإيمان ويملؤه الشك وعدم المعرفة، وبين من يعرف ويدرك ويصر على الجدل وإغفال الحقيقة، وفي النهاية ليس لأحد سلطة أو تفويضاً إلهياً على أحد، وإن الأمر كله مرده ومرجعه لله وحده.
---------------------------
بقلم: سعيد صابر