ليست مجرد صرخة غضب، ولا صيحة رفض إحتجاجية .. ولا مجرد كلمات جوفاء لإراحة الضمير وتسجيل موقف عنترى .. لكنها في الحقيقة واقع يفرضه أصحاب القضية كل يوم، ضاربين أروع الأمثلة في التمسك بالوطن وعشق ترابه ، تحد وراء آخر يجتازه الفلسطينيون بقوة احتمال تذهل الشقيق قبل العدو .. سنوات من الحصار والتجويع تحملوها في حرب إبادة استمرت لشهور طويلة، أطنان من المواد المتفجرة، صافرات رعب لا تتوقف بيوت تهدم فوق رءوس ساكنيها، جثث لأحبة تحت أنقاضها وأشلاء لأحياء مزقها حزن الفراق وضياع الوطن، جرحى بلا أمل في الشفاء ومستشفيات تحولت لقبور وقبور لا تعرف رفات من تضمهم .. العدو يحاصرهم أينما ذهبوا، لامكان آمن في وطن مستباح
لم يعد للأحلام مكان في أرواحهم المثقلة بالجراح، تقلصت جميعا فلم يعد بمقدورهم سوى الحلم بوقف الحرب والرجوع للديار حتى وإن كانت مهدمة، لكن العدو المتربص دوما بتلك الأحلام أبي إلا أن يسرق ذلك الحلم البسيط.
في محاولة لوضع السم في العسل جاءت دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة إلى دول الجوار مصر والأردن بحجة أن هذه الخطة تسهل عملية إعادة إعمار القطاع بعد تدميره وأن إخلاء غزة من مليون أو مليون ونصف مليون من سكانه سيخفف من الضغوط ويتيح إعادة البناء وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية اقتصادية !!
وكأن إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم إلا بتهجير أصحاب الأرض، وكأن الإنسانية دبت فجأة في أواصر ساكن البيت الأبيض، فأشفق على معاناة السكان وفكر في راحتهم بترحيلهم لدول الجوار بعدما تم تدمير القطاع! وكأن أمريكا لم تمد الكيان بالأسلحة والقنابل وبكل أدوات الفتك، التي استهدفت الحجر والبشر وأتت على الأخضر واليابس وحولت حياة سكانه إلى جحيم.
وكأن المشهد المهيب لسكان القطاع وهم يرسمون بحشدهم أروع لوحة تجسد عشق الوطن وفرحة الرجوع لأحضانه حتى ولوكان ركاما مهدما، وكأن ذلك المشهد لاتره أعينهم إلا بما تعكسه نفوسهم البغيضة.
التهجير هو الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه ترامب إرضاء لطفله المدلل المزروع عنوة كجسد غريب في قلب العالم العربي.
تهجير هو الإسم الحقيقى وليس التحريك كما أراد ترامب أن يغطى اقتراحه الشيطاني بورقة توت لا تستر عورة نواياه الخبيثة القذرة.
فجيعة الصدمة بمخططه التأمرى لم تستمر طويلا، بعدما أثلجت صدورنا تصريحات رسمية رافضة بدأها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدى الذى رفض خطة التهجير، مؤكدا أن حل القضية الفلسطينية هو حل فلسطيني، وأن الأردن للاردنيين وفلسطين للفلسطينين، وأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام .
وجاء بيان الخارجية المصرية ليبث مزيدا من الطمأنة، مؤكدا على موقفه الثابت من رفض التهجير وعلى دعم مصر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتمسكه بحقوقه المشروعة في وطنه، ورفضه لأي مساس بتلك الحقوق غير قابلة للتصرف سواء بالإستيطان أو ضم الأراضي أو التهجير.
رغم الطمأنة لا يزال الحذر والتخوف مستمرا .. اعتدنا على أكاذيب العدو وتآمره وعقلية قادته الإجرامية التي لا تتوقف عن استهداف الشعب الفلسطيني بالإبادة .. واعتدنا على دعم لا محدود من القوى الكبرى المتبجحة في دعمها لكل العمليات الإجرامية ومشاركتها فيها.
لن يوقف ذلك المخطط الدنيء سوى إرادة قوية لا تظهر هوادة في التمسك بالثوابت والرفض الصريح لتهجير أصحاب الأرض تحت أي مزاعم وأمام أقوى ضغوط ...
لا يعدم العرب أوراق ضغط قوية، فقط تنقصهم الإرادة لتفعيل استخدامها، لديهم الثروة والبترول والأسواق التي يستهدفها الغرب بإغراقها بسلعهم وتجارتهم التي تجد رواجا كبيرا فيها.. ولديهم شعوب مؤمنة بالقضية متمسكة بقوة بعدالتها رافضة التنازل والتفريط فيها قادرة على الدعم والصمود والضغط لدعم القرارات الرسمية التي تصب في صالح القضية فقط لو أحسن توظيفها واستخدامها، لا حجبها وقمعها تحت حجج واهية تضعفها وتقزم دورها فتفقد صلابتها كداعم قوى يمكن أن يشد من عضد الساسة في قراراتهم المصيرية.
لا نملك رفاهية الصمت ولا نملك رفاهية صخب الإحتجاج الأجوف الذي يسعى لإبراء الذمة وليس اتخاذ الفعل، نحن في موقف مصيرى نكون فيه أو لا نكون.. فعلينا أن ندرك حجم الخطر وعلينا أن نحسم بسرعة وبقوة وبشجاعة ما يلزم من قرارات .
ردود الفعل الحاسمة الحازمة ضرورة ... والتمسك بالثوابت إرادة يدعمها النظام بقوة الشعب.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد