05 - 05 - 2025

عجاجيات | أمى عايشة واللا ميتة؟

عجاجيات | أمى عايشة واللا ميتة؟

لعله أصعب سؤال يمكن أن يسأله أي إنسان...سؤال يدل على مدي القهر والظلم الذى يتعرض له الإنسان من أخيه الإنسان.. سؤال يلخص ألم ومعاناة السجناء المقيدة حريتهم والذين يحرمون من أبسط حقوقهم والمتمثلة فى رؤية أهاليهم والاطمئنان عليهم.

هذا السؤال الذى جاء على لسان الأسير أو السجين الفلسطينى لؤي المحرر فى صفقة التبادل بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بعد سنوات طوال فى غياهب السجون الإسرائيلية... هذا السؤال هزنى من أعماقى بل وأبكانى وجعلنى أتذكر أمى رحمة الله عليها التى حرمت من رؤيتها فى أيامها الأخيرة، وحرمت من تشييع جنازتها لوجودي وقتها على بعد آلاف الكيلو مترات فى الجزائر الشقيقة خلال رئاستى للمكتب الإعلامى فى سفارتنا هناك.

ورغم أن أقارب لؤي ردوا على سؤاله وطمأنوه بأن أمه حية ترزق وتتحرق شوقا لرؤيته وضمه إلى صدرها وحضنها.. إلا أن سؤال: أمى عايشة واللا ميتة دفعنى دفعا للتفكير فى حال السجناء بصفة عامة، وبالذات السجناء الذين لم يسرقوا ولم يقتلوا ولم يتجروا فى المخدرات ولم يمارسوا النصب على خلق الله.

ربما بحكم تركيبتى كإنسان يتأثر بسهولة وتفيض عينه بالدمع بسهولة.. وربما لأننى كما وصفنى البعض رومانسى وصاحب قلب خفيف.. ربما لذلك هاجمتنى الأفكار حول السجناء.. وتساءلت بأى حق وفى أي شرع يحرم إنسان مهما كان سبب سجنه من رؤية والاطمئنان على أبويه وعلى أولاده وعلى زوجته؟.

قمة التعذيب لإنسان جعله لا يعرف هل أمه عايشة واللا ميتة، ولا يعرف هل ابنته تزوجت أم لا؟ وهل أصبح له أحفاد أم لا.. وقمة التعذيب أن يفرض على إنسان أن يعيش وحيدا لا يجد من يكلمه ولا يجد من يقول له بالهنا والشفا ولا يجد من يقول له سلامتك.

سؤال لؤي جعلنى أتذكر واحدا من أجمل أفلام السينما المصرية بطولة النجوم فريد شوقى وأحمد مظهر ورشدى أباظة رحمة الله عليهم، ألا وهو فيلم (كلمة شرف) الذى يتحدث عن قائد سجن إنسان سمح لسجين أن يخرج من محبسه ليودع زوجته على فراش الموت، مقابل كلمة شرف بأنه سيعود طواعية إلى محبسه.

وكم أتمنى أن تقوم كل الأنظمة والحكومات بدور قائد السجن الإنسان، خاصة فى التعامل مع سجناء الرأى أو السجناء السياسيين، حتى ولو حكم عليهم بأحكام قضائية.. وكم تمنيت إقامة مدن لهؤلاء السجناء يعيشون فيها مع عائلاتهم وزوجاتهم وأولادهم وأحفادهم مع اتخاذ كافة الإجراءات الأمنية المناسبة لمراقبتهم ومنعهم من ممارسة أية انشطة غير مرغوب فيها أو يخشى منها.

ربما يعتبر البعض أفكاري خيالية ورومانسية، غير أننى شخصيا أفضل أن أموت قبل أن أضطر للسؤال أمى عايشة واللا ميتة، وقبل أن أنسى ملامح حفيدي، وقبل أن أحلم بالجلوس على مائدة طعام واحدة مع زوجتى وأولادي.

ولأننى خفيف القلب ورومانسي، كما يرانى البعض، فمن رأيى المتواضع والذى لا أجبر أحدا على قبوله أو تبنيه، أنه لو لم يكن لطوفان الاقصى من أثر سوي أنه أجاب على سؤال لؤي: أمي عايشة أم ميتة فهذا يكفيه..
---------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج


مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | الرقص فى المترو