05 - 05 - 2025

تحت المجهر | ترامب ووعوده المئة في مواجهة تحديات (الملاذ الآمن)

تحت المجهر | ترامب ووعوده المئة في مواجهة تحديات (الملاذ الآمن)

أكثر من عشرين مليون مهاجر في الولايات المتحدة الأمريكية ، توعدهم ترامب بمجرد وصوله إلى سدة الحكم من جديد، وبمرسوم رئاسي بدأت الإجراءات التنفيذية لحصد نحو ١١ مليونا من المهاجرين غير الشرعيين في ولايات مختلفة في أول يوم لتوليه الرئاسة.

هذه الحملة الشرسة تستهدف في المقام الأول مدن (الملاذ الآمن) ، وهي المدن التي لا تتعاون مع السلطات الفيدرالية وسلطات الهجرة في ملف الترحيل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الولايات الآمنة التي انتهجت هذه السياسات لديها من القوانين ما يمنع ترحيل المهاجرين عشوائيا من قبل أكبر إدارة فيدرالية في أمريكا ، أو مشاركة معلومات أي مهاجر على أراضيها.

كما تقدم هذه الولايات خدمات أخرى للمهاجرين كالحصول على هويات ورخص قيادة وبطاقات صحية، غالبا ما تكون مجانية لمحدودي الدخل ، كما تصدر بطاقات تعليمية لهم ولأبنائهم من دون السؤال عن طبيعة وجودهم القانوني بالبلاد.

القبض على المهاجرين عشوائيا عادة ما يحدث في الولايات الجمهورية ، بينما تحمي معظم الولايات الديمقراطية حقوق المهاجرين الذين لا يملكون سجلا إجراميا، إلا أنها لا تسمح أيضا بترحيل من يمتلكون سجلات إجرامية إلا بعد محاكمة عادلة ومعقدة وطويلة بسبب تدخل جمعيات حقوق الإنسان وحسب ما يمليه دستور الولاية .

وهناك نحو ثلاثة عشر ولاية تعمل بسياسة (الملاذ الآمن) وعلى رأسها أكبر ولايات أمريكا، كولاية كاليفورنيا وولاية نيويورك وأكثر من ثلاثمائة مدينة أخرى .

والسؤال هنا: هل يستطيع ترامب تنفيذ تهديده بترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين يصل عددهم إلى نحو عشرين مليون مهاجر؟

من الناحية الاقتصادية والقانونية سوف يتسبب ترحيل هذا العدد الهائل في كارثة محققة في البلاد .

البنك الفيدرالي الأمريكي وجه رسالة من ناحيته إلى إدارة ترامب الجديدة، محذرا إياها من تسبب ترحيل المهاجرين في أزمة كارثية في سوق العمل الأمريكي ، وكشف في الوقت ذاته عن مساهمة هؤلاء المهاجرين في نمو الاقتصاد المحلي بأكثر من سبعة تريليونات دولار في العشرة أعوام الأخيرة.

أما من الناحية القانونية فإن التعديل الخامس من الدستور الأمريكي يضمن المحاكمة العادلة لأي شخص يتم ترحيله، ولا يمكن إقرار ذلك إلا من قبل قاضي الهجرة فقط دون غيره .

وحيث يوجد في أمريكا الآن نحو ٦٠٠ قاضي هجرة فقط ، فإنه في حال تقسيم قضايا العشرين مليون مهاجر غير شرعي عليهم قد يستلزم الأمر من سبعين إلى مائة عام للبت في قضاياهم ، وهو ما يستحيل عمليا بأي شكل من الأشكال.

حتى في حال تعيين قضاة جدد يتعين على إدارة ترامب الجديدة تعيين مئات الآلاف من القضاة للانتهاء من هذه العملية بالشكل القانوني الصحيح في وقت معقول .

ولا تقل إشكالية الجهات التنفيذية عن سابقتيها ، إذ تستلزم عملية القبض على ملايين المهاجرين غير الشرعيين ملايين الضباط ورجال الشرطة ، أضف إلى ذلك توفير أماكن الاحتجاز الكافية لهذا الكم من المحتجزين في آن واحد.

وبما أن ترامب قد وعد بإنهاء مدن (الملاذ الآمن) خلال أول ١٠٠ يوم من توليه الرئاسة ، عن طريق إلغاء التمويل المخصص لهذه الولايات في شكل منح سنوية من وزارة العدل الفيدرالية . والتي تصل إلى مئات الملايين سنويا ، فقد يتعين عليه أيضا النظر في تكلفة ترحيل الشخص الواحد والتي يقدرها المسؤولون بنحو عشرة آلاف دولار.

فهل يطلب ترامب من الكونجرس تخصيص ميزانية لترحيل اليد العاملة والمساهمين في الاقتصاد الأمريكي على مدار السنوات الماضية ، والتي قد تصل إلى نحو ثلاثين مليار دولار؟ في الوقت الذي تمتليء أجندته بمصروفات أخرى تتعلق بالأمن الداخلي والخارجي مع دول الجوار ، حيث أعلن عن نيته بمجرد تنصيبه في فتح ملفات الحدود والجدار مع المكسيك وأزمة بنما وغيرها من الملفات التي تستلزم تخصيص المليارات في الوقت ذاته.

ومع دخول عمليات الترحيل حيز التنفيذ في ولايات بوسطن ونيويورك ونيوجيرسي واعتقال المئات دون إذن أو حكم محكمة أو إخطار مسبق وهو ما يتنافى مع تعديلات الدستور الأمريكي، انتفضت الولايات الديمقراطية لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على المهاجرين بعد أن اقتيد عمال من أماكن عملهم ، وتعهدت مدن كبيرة مثل لوس انجلوس و شيكاغو و فيلادلفيا بحماية الأشخاص في الولايات المتحدة من ملاحقات إدارة ترامب لترحيلهم خارج البلاد دون حق ودون محاكمات .

بل أعلنت مدارس لوس أنجلوس الموحدة نفسها ملاذا للمهاجرين ورفع اتحاد الحريات المدنية الأمريكية في كاليفورنيا دعاوى قضائية ضد هيئة إنفاذ القوانين الخاصة بالهجرة والجمارك الأمريكية.

بل وشملت سياسات ولايات (الملاذ الآمن) منع موظفي الشركة المحلية من استجواب الأشخاص حول وضعهم القانوني من الهجرة سواء كانو شرعيين أو غير شرعيين ، ورفض احتجازهم وحمايتهم قانونيا واجتماعيا.

ترامب يثير الجدل من جديد في الداخل ، ويقسم الولايات مع وضد في حرب داخلية ستؤثر بالسلب على الاقتصاد المحلي والمجتمع المدني ، وتفتح النار على إدارته التي لن تستطيع تلبية احتياجات وعوده الانتخابية ، ولن تجد من يسدد فاتورة أحلامه الداخلية، إلا بضربة خارجية جديدة تمول بعض من مشاريع قرارته المئة التي وقع عليها في حفل التنصيب .
------------------------
بقلم: كوكب محسن


مقالات اخرى للكاتب

تحت المجهر | متلازمة الإعمار والتهجير .. فاصل ونواصل