09 - 02 - 2025

رئيس تحرير الثقافة (ينقض) اللغة في ملف (ينقذ) مجمع اللغة: ثقافتنا العربيَّة إلى أين؟

رئيس تحرير الثقافة (ينقض) اللغة في ملف (ينقذ) مجمع اللغة: ثقافتنا العربيَّة إلى أين؟

- الرّموز الثّقافيَّة وعودة الوعي

كتبت أمس ناعًيا بعض القمم، ولم أكن يائسًا، بل كنت في الحقيقة أتساءل: لِمَ لمْ يعدْ من السّهل المتاح أن نجد كتابًا نقديًا مبهرًا؛ كتلك الكتب التي تركها محمد مندور، ورجاء النقاش وشكري عياد، ومصطفى ناصف، ومحمد زكي العشماوي، ومحمد مصطفى هدارة، وأمين الخوليّ، ورجاء عيد، ومحمد زغلول سلام، ومحمد حماسة عبداللطيف، وحسن ظاظا، وعبدالمجيد عابدين، وعبده الراجحي، ومحمود فهمي حجازيّ، ورمضان عبدالتواب، وعبدالصبور شاهين، ومحمد عنانيّ، وعبده الراجحيّ، وحسين نصار، ومحمود الربيعيّ، وسيد البحراويّ، وشوقي ضيف، وجابر عصفور، وصلاح فضل، وبنت الشاطئ، ونعمات فؤاد، وسيزا قاسم، وسهير القلماوي، ونبيلة إبراهيم، وأضرابهم في مجال الدّراسات الأدبيَّة واللغوية الذين عدمنا تقريبًا أمثالهم...!

وللأسف الشّديد نحسّ الفقد نفسه في العلوم، والجغرافيا، والتاريخ، والموسيقا، والفنون والعمارة... إلخ!

لم أتّجه وجهة متشائمة في حياتي ولن أتّجه، وأحفر وراء كلِّ موهبة حقيقيَّةٍ، وأتبنَّى أحلامَها التي هي أحلامنا في عودة الثقافة وعودة الوعي...!

ومع وجود بعض الأقلام الواعدة بيننا في كلّ المجالات في بلد خصيب لا يعقم، لنا أن نعيد إلى  ذاكرتنا المعاصرة عددًا من أسماء المثقفين الذين تولوا رئاسة تحرير المنابر الثقافية من أمثال طه حسين، ومحمد رجب البيومي، وسهير القلماوي، وأحمد أمين،وأحمد حسن الزيات، ومحمد عوض محمد،وحسين فوزي، وعلي الراعي، ويحيى حقي، وشكري محمد عياد، وعبد القادر القط، وأحمد بهاء الدين، وجابر عصفور، وأحمد عبدالمعطي حجازيّ، وجمال الغيطانيّ... إلخ

وقد أَعدتُ قراءة مقال كتبه الأديبُ الروائيّ مصطفى نصر عن الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب (1908-1989م) وما أسداه للإذاعة المصريَّة بفضل إتقانه اللُّغة العربيَّة، وتميّزه في أدائها، وضبط مفرداتها، وفهم بلاغة أساليبها؛ حتى إنَّ الفنَّانة القديرة سميرة عبد العزيز سألوها عن سبب إتقانها الدور الذي تمثّلهُ، " خاصة لو كان باللغة العربية الفصحى، فقدمت على مدى سنوات طويلة البرنامج الإذاعي المشهور: " قال الفيلسوف " من تأليف سعد الغزاويّ، ومن إخراج إسلام فارس. وفي لقاء تلفزيوني مع سميرة عبد العزيز، سألتها المذيعة: ما هو سبب إتقانك للغة العربية الفصحي؟. فقالت في منتهى السرعة: لأنني تلميذة حافظ عبد الوهاب.

يا سلام على الرّدّ الجميل، ويا سلام على حافظ عبد الوهاب وكلّ تلاميذه. كلّهم في منتهى الصِّدق والجديَّة والإتقانِ. فعبد الحليم شبانة، أضافَ لاسمهِ لقبَ حافظٍ ليصيرَ عبد الحليم حافظ بدلًا من عبد الحليمِ شَبانَة، ردًّا لجميل حافظ عبد الوهاب الذي اكتشفه وقدمه للملايين"

 ومما لفت نظري أنَّ هذا الإذاعي العبقريّ حسب ما ذكره  محمد الدسوقي في جريدة الأهرام في ذكراه " أوَّل مَن قدَّم الأوبريت بصفته عازفًا للكمان، وقد تدرّج في المناصب حتَّى وصل إلى كبير المذيعين، كما تولَّى منصب مراقب عام الموسيقى والغناء. بدأت مرحلة حافظ عبد الوهاب في بداية تأسيس إذاعة الإسكندرية 26 يوليو عام 1954م، ليكون أول مدير لإذاعة محلية، و كان أول من أدخل المسلسلات الدرامية لإذاعة الإسكندرية، وقد استمر الإذاعي حافظ عبد الوهاب بإذاعة الإسكندرية حتى أُحيل إلى المعاش، إلا أنه بعد ذلك عُين مشرفًا على إذاعة الإسكندرية حتى وفاته".

 ومع كون حافظ عبدالوهاب من المؤسسين للإذاعة المصرية؛ إذ كان رابع من قال: هنا القاهرة، وأَوّل من قال هنا الإسكندرية فإنَّنا لا نجدُ له ترجمة في "قاموس الثقافة المصرية في العصر الحديث"، الذي نشرته مكتبة الآداب لصاحبها ومديرها المثقف علي حسن سنة 2020م، ولا في معجم أعلام الثقافة العربية الذي أصدره مجمع اللغة العربية بعنوان: "من أعلام الثقافة العربية: معجم وتراجم" 2016م، مع كونه معجمًا مهمًّا يضاف إلى سلسلة المعاجم والقواميس التي أصدرها المجمع المصريّ، وتحسب له، وتحفظ له مكانة الصّدارة بين المجامع العربيَّة، وتجعله حقيقًا بالبحث عن سبل لإنقاذه وهو ما فكّرت فيه مجلة الثّقافة الجديدة مشكورة، في ملف خاصّ أعده رئيس التّحرير.

"الثقافة الجديدة" تنقذ "مجمع الخالدين" بأخطاء شنيعة لرئيس التحرير!

كتبْتُ سلسلةً من المقالاتِ السَّابقةِ بعُنوان:" الثقافة العربيَّة إلى أين؟" عن تدنِّي الثّقافةِ العربيَّةِ نتيجةَ التَّساهُلِ، وغيابِ الرّؤيةِ، والهدفِ، والطُّموحِ، والأملِ والدَّافعيَّةِ، وأسبابٍ أُخرى...!

ومنَ المؤشّراتِ الدّالَّةِ على ذلك ما نجدُهُ من مَقالِ رئيسِ تحرير مجلَّةِ الثَّقافة الجديدةِ في عدَدِها الجديدِ يناير 2025م؛ فقدْ جَعلَتْ ملفَّ العددِ بعُنوانِ:" محاولة لإنقاذِ مَجمعِ الخالدينَ"، ولكن ما يثيرُ الدَّهشةَ أنَّ الملفَّ لم يخلُ من الأخطاءِ اللُّغويَّةِ والأسلوبيَّةِ؛ كأن يكتب أحدهم في الفقرة الافتتاحيَّة:" ما أجازه المجمع من ألفاظ بتفاعل واهتمام كبير"...! وإفرادُ النعتِ، هُنا، مثيرٌ للرّيبةِ...!

 ولكنَّهُ يختم المقال هكذا:" تحتاج إلى علم ودراية كبيرة"؛ وقد احتلتُ له في تأويل أشدَّ إفراطًا من التَّأويل الأوَّل، ولكنَّه يردفه بجملة الختام هكذا" عن حسّ وذوق لغويّ قويم"، ويسبقهما بقوله:" فواضعوا المعاجم"؛ فيتسع الخرق على الراتع والراقع، والتأويل على المؤول....!

 ولن أتتبَّع الركاكة الأسلوبيَّة والأخطاء الفاحشة، ولكنّي سأدلف سريعًا إلى مقالِ رئيس التحرير الذي نسبَ فيه أخطاءً كارثيَّة إلى ثلاثة من العلماء الأفذاذ من أعضاء المجمع، كان الأوَّل والثَّالث رئيسينِ لَهُ، والأوسطُ أمينَهُ؛ هم الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، والدكتور عبدالحميد مدكور، والدكتور شوقي ضيف؛ فكتب بالخطّ العريض جملة شائهة على لسان الأوَّل هكذا:" لامانع أن يقدم موضوعًا صالحًا للمناقشة"، وقد حاولتُ أنْ أُعمل فيها التأويل بحثًا عن الفاعل المحذوف تقديره في المقال، ولكنَّهُ يعودُ فينسُبُ خطأً شنيعًا للثّاني بالخطّ العريضِ، أيضًا، حين يكتبُ على لسانهِ قولَهُ:" أرى أن يكون هناك اتّصالًا دوريًا ومنظَّمًا بصورة خاصة"...! وكأنَّ أمين عام مجمع اللغة العربية لا يعرف نواسخَ الجملةِ الاسميَّة التي يدرسها الطُّلَّاب في المرحلةِ الابتدائيَّةِ...!

 ويكتب بالخط العريضِ على لسان الثَّالثِ:" وصف شوقي ضيف المكتبة بــ" غنيَّة غنًى وافر بالكتب والمراجع في مختلف الآداب والعلوم والفنون"...! 

ونحن لا نتصيّد الأخطاء ونعلم أن هناك مراجعين ومصحّحين لغويين، ولكن ثمة فارقًا كبيرًا بين هذا  المقالات التي تملأ العدد بداعٍ وبدون داعٍ،  والملف الذي يكتب عن مجمع اللغة العربيَّةِ...!

 ويكتب رئيس التّحرير بأنَّ للمجمع "مخطوطين داخل فاترين"  ولو وضع الكلمة:" فاترين"   في مؤشر البحث على الشبكة العنكبوتية لخرج له المرادف العربي بكل سهولة هكذا:" في ثقافتنا العربية الدارجة المركبة من عدد من اللهجات واللغات، نشير إلى واجهة العرض في العادة بـ «الفاترينة»، وهي كلمة محرّفة من كلمة «Vitrine» الفرنسية، التي تستخدم للإشارة إلى خزانة زجاجية لعرض الأشياء، وهي مشتقة من كلمة «vitre»، التي تعني بالفرنسية لوح زجاج."

 وقد توقَّفتُ أمام عتبات المقالاتِ والملف الذي تريد به مجلة الثقافة الجديدة إنقاذ مجمع الخالدين فحسبُ...!

  ومن هذه العتبات اللافتة أن يُكتبَ في مقال رئيس التّحرير اسم الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، أسفل الصّورة المختارة، هكذا:" إبراهيم مذكور"، وكأنه لا يعرف الفيلسوف العظيم الذي خلف عميد الأدب العربي في رئاسة مجمع الخالدين وذكره مرَّاتٍ في مقالهِ، وهو المذكور فعلًا بهذا الخطأ الشّنيع السَّاذج الذي ينم عن الاستسهال وإهمال المراجعة، والتّردّي، وعدم الدّقَّة...!

  وأختم بالتأكيد على أنني لا أتصيّد أخطاء شخص أو جهةٍ وأتغاضى عن كل الأخطاء الفاحشة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم في هذه المجلة وغيرها من منابرنا الثقافيَّة، ولكنّي حزينٌ أن يخرج ملفٌّ عن أهمّ المجامع اللُّغويَّة العربيَّة من مجلة متخصّصةٍ في الثَّقافة، وبقلم رئيس تحريرها بهذه الأخطاء الشَّنيعة؛ لأقول لهم آسفًا: جهدكم مشكور، وخطؤكم منكور، وتأويلكم مذكور  ...!
---------------------
بقلم: د. محمد سيد علي عبدالعال (د. محمد عمر) 
* أستاذ الأدب والنقد ووكيل كلية الآداب للدّراسات العليا بآداب العريش

مقالات اخرى للكاتب

رئيس تحرير الثقافة (ينقض) اللغة في ملف (ينقذ) مجمع اللغة: ثقافتنا العربيَّة إلى أين؟