إن أعظم الدول وأقواها لم تصل إلى ما هي عليه اليوم إلا عندما وضعت الإنسان في صدارة اهتمامها. فالإنسان هو الأصل والغاية، وهو المحور الذي تدور حوله كل السياسات والخطط. في مصر، إذا أردنا النهوض حقًا واستعادة مكانتنا بين الأمم، فعلينا أن نعيد بناء الأولويات من جديد، ونجعل المواطن المصري هو الأساس، لأن نهضة الوطن تبدأ من الإنسان.
لقد مر المواطن المصري بعقود من التحديات، تحمل فيها أعباءً تفوق طاقته، ما بين أزمات اقتصادية خانقة وقرارات أثقلت كاهله، ومع ذلك، لم يتوقف عن البناء والعمل والصمود. واليوم، إذا أردنا أن نُحدث التغيير الحقيقي، فعلينا أن نتوقف عن تحميله وحده فاتورة الأزمات، ونبدأ في وضع سياسات تعيد له حقوقه وتحفظ له كرامته، وتجعل من مصر وطنًا يحتضن كل أبنائه.
المواطن المصري لم يعد يطلب المستحيل، هو فقط يريد أن يعيش حياة كريمة، أن يشعر أن هناك من يهتم به ويعمل من أجله، أن يجد فرصة عمل تليق بجهده، وسكنًا آمنًا يحمي أسرته، وتعليمًا يُعد أبناءه لمستقبل أفضل، ورعاية صحية تجنبه ذل المرض. يريد عدالة حقيقية تساوي بين الجميع، فلا فئة تُفضل على أخرى، ولا حقوق تضيع بسبب الواسطة أو الفساد.
لا يمكن تحقيق استقرار الدولة دون تحقيق السلم الاجتماعي، والسلم الاجتماعي يبدأ عندما يشعر المواطن بالأمان في وطنه. الأمان ليس فقط في حماية الحدود أو تطبيق القانون، بل هو شعور المواطن بأنه جزء من هذا الوطن، له حقوق واضحة يكفلها القانون وتحميها الدولة، وله صوت مسموع في رسم السياسات التي تمس حياته.
إن العدالة هي الركيزة الأساسية لأي مجتمع يريد أن ينهض. العدالة التي تمنح الجميع فرصًا متساوية، والتي تحاسب المخطئ مهما كان منصبه، والتي تضع الإنسان في صدارة كل قرار. لا يمكن الحديث عن تنمية أو استقرار إذا كان المواطن يشعر بالظلم أو التهميش. العدالة الحقيقية هي التي تحقق التوازن بين الطبقات، وتضمن أن ثمار التنمية تصل إلى الجميع دون استثناء.
المواطن المصري يعاني اليوم من ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية جعلت حياته أكثر صعوبة. هذه الضغوط لا يمكن مواجهتها بالوعود أو الخطابات، بل تحتاج إلى سياسات جريئة ومبادرات واقعية تعيد له الثقة في الدولة. نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة منظومة الدعم الاجتماعي لتصل إلى مستحقيها، وإلى برامج تنموية تركز على تحسين جودة الحياة، وإلى خطط اقتصادية تقلل من أعباء المعيشة وتفتح فرصًا حقيقية للعمل والإنتاج.
إن الحديث عن نهضة الوطن دون الاستثمار في الإنسان هو حديث بلا معنى. فالتنمية الحقيقية تبدأ من تحسين جودة التعليم، الذي لا يقتصر على تلقين المعلومات، بل يُعدّ الفرد ليكون مبدعًا وقادرًا على مواجهة تحديات العصر. تبدأ من توفير الرعاية الصحية التي تضمن للمواطن حياة آمنة وخالية من المخاوف. تبدأ من خلق بيئة عمل تضمن حقوق العمال وتشجع الاستثمار، وتفتح المجال أمام الصناعات الوطنية لتقود الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على الاستيراد.
إننا بحاجة إلى رؤية جديدة تضع المواطن المصري في قلب كل قرار، رؤية تنطلق من إيمان حقيقي بأن الإنسان هو أهم موارد هذا الوطن. نحن بحاجة إلى دولة لا تكتفي بحماية الحدود، بل تحمي أيضًا حقوق الإنسان. دولة لا تُهمل مصالح المواطن لصالح سياسات ضيقة أو مصالح فئوية. دولة تعيد بناء الثقة بين الشعب ومؤسساته، وتعمل على تقوية النسيج الاجتماعي الذي يضمن وحدة الوطن.
إن مصر التي نحلم بها ليست مستحيلة التحقيق، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وإلى شعب يؤمن بأنه شريك في بناء المستقبل. مصر التي نحلم بها هي مصر التي يشعر فيها كل مواطن بأنه محور الاهتمام، وأن حياته وكرامته لهما قيمة.
دعونا نضع الإنسان أولًا، لأن الاستثمار فيه هو الاستثمار الحقيقي. دعونا نبني وطنًا يليق بأبنائه، ويجعلهم فخورين بانتمائهم له. دعونا نعمل جميعًا من أجل مستقبل أفضل، لأن مصر لن تنهض إلا إذا نهض أهلها.
إن مصر القوية تبدأ بمواطن قوي، يشعر بالأمان والعدالة والكرامة. هذه هي رسالتنا، وهذا هو طريقنا، ولن نحيد عنه.
--------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس