05 - 05 - 2025

مادة التربية الدينية

مادة التربية الدينية

لاشك أن التدين هو سمة أساسية من مكونات الهوية الحضارية المصرية، وذلك على اعتبار أن المصرى هو أول من عرف الدين والتدين قبل وجود الأديان الكتابية. مع العلم أن التدين غير الإيمان الحقيقى الذى يتمثل فى العلاقة الخاصة بين الإنسان وبين الله. فهو الشكل الخارجى والسلوك المرئى من المتدين بدين من الأديان. وهذا الشكل وذلك السلوك دائما مايخضع لاعتبارات شخصية ومصالح ذاتية ولتأكيد تمايزات نفسية فى إطار الدين الواحد أو فى مواجهة الآخر الدينى. 

ولذا نجد فى إطار الواقع المعاش أن هناك تناقضا واضحا وتباينا شديدا بين الإيمان الصحيح وبين ذلك التدين الشكلى. وطوال التاريخ حتى بعثات محمد على لم يكن هناك تعليم غير التعليم الدينى فقط . كان الأزهر وما يسمى بالكتاتيب الملحقة بالمساجد والكنائس والتى كانت تعلم القراءة والكتابة مع حفظ القرآن أو بعض الألحان الكنسية. ومع أن الأصل فى التربية الدينية الحقيقية والصحيحة أن تكون تلك التربية منوطة بالمنزل والمؤسسات الدينية فى المقام الأول، ولكن تماشيا مع موروث التدين المصرى كانت مادة التربية الدينية الإسلامية والمسيحية فى المدارس من باب ذر الرماد فى العيون. حتى أن تدريس هذه المادة كان ومازال يمثل أحد أهم مفرخات المناخ الطائفى الذى يهدد سلامة الوطن. 

فجماعة التطرف هنا وهناك مازالوا يتعاملون مع حصة التربية الدينية أنها تؤكد التفرقة والتمايز بين مواطن ومواطن، فحصة الدين تعتبر للمدرس والطالب حصة ترفيه وقضاء وقت مفتوح. فى الوقت الذى بعيد إلى أذهان الطالب أن هناك مسلم وهناك مسيحى! وهذا تأكيد وتذكير بالثنائية الوطنية وليس الوحدانية! اخراج الطلبة المسيحيين من الفصل يحدث حالة من التمايز بين هذا وبين ذاك. قيام مدرس اللغة العربية بتدريس الدين الاسلامى باعتباره ازهريا فى غالب الأمر فهو مؤهل لذلك، فى الوقت الذى لايوجد فيه مايسمى بمدرس للدين المسيحى. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك مادتين وليس مادة واحدة، فهذا غير الكيمياء أو الفيزياء مثلا . فالمنهج واحد والقياس والامتحان وضوابط التصحيح واحدة، وهذا غير منهج وقواعد لمادة تختلف فى أساسياتها عن الأخرى. 

فهل فى ظل هذه الظروف يخرج علينا وزير مثير للغط منذ مجيئه بأن يقرر أن مادة الدين ستكون مادة نجاح ورسوب وبمقدار مائة درجة!! فما هى الحكمة أيها الوزير الحكيم من هذا القرار ؟ هل هذا سيجعل تلك المادة سببا مباشرا وسريعا وناجزا لتغيير السلوك المتردى الذى يعيشه المجتمع الآن؟ هل هذا حتى نؤكد أننا دولة متدينة وتعتنى بالدين؟ هل هذا سيكون بديلا للمنزل والمسجد والكنيسة بالقيام بأدوارهم فى هذا الإطار؟ هل سيكون الطالب كل همه هو الحصول على المائة درجة أم التمثل والاستفادة من المادة بهدف تحول سلوكه وحياته إلى الأحسن؟ 

وهل هذا الأمر سيمر مرور الكرام فى ظل الصراع والمناخ الطائفى الموروث من تدريس تلك المادة حول نوع الأسئلة الموضوعة هنا وهناك؟ وأي الامتحانين الأسهل والأصعب؟ وهل هذا الاقتراح هو اقتراح الأزهر والكنيسة حتى يشعروا بقيمة تواجد المؤسستين وسيطرتهما وتدخلهما فى كل شؤون الحياة، فى الوقت الذى لا نرى قيامها بواجبها الدينى كما يجب أن يكون؟ هل هذا الأمر سيساعد فى وأد المناخ الطائفى الذى يستغل دائما للتفرقة والاختراق طوال التاريخ من كل صنوف الاستعمار؟ نحن وبلا شك مع الدين ومع التدين الصحيح النابع من إيمان حقيقى يقر فى القلب ويصدقه العمل. نحن مع تدريس مادة واحدة نقول واحدة بمنهج واجد يعتمد على القيم والمقاصد العليا التى اتفقت وتوافقت معها كل الأديان ولكل الطلبة. فهناك فارق بين ما يدرس فى إطار المجال العام ( المدرسة ) وما يلقن ويعلم فى المجال الخاص ( المسجد والكنيسة ) .

الوطن يحتاج من الجميع الفكر والعمل على كل ما يوحد ولا يفرق يجمع ولا يشتت. أسقطوا التمايز انشروا المساواة . ضعوا كل الامور فى نصابها السليم فما يخص المجال العام للعام والمجال الخاص للخاص . فالمجال العام هو الوطن هو مصر كل المصريين بدون تمايز أو تمييز ولكن المواطنة الكاملة لكل المصريين بدون استثناء . حفظ الله مصر وشعبها العظيم وطنا لكل المصريين .
------------------------
بقلم: جمال أسعد


مقالات اخرى للكاتب

الفكر الديني والمؤسسات الدينية