05 - 05 - 2025

تحت المجهر | أسطورة الحكم المطلق .. بين الشرعنة والعسكرة في الشرق الأوسط

تحت المجهر | أسطورة الحكم المطلق .. بين الشرعنة والعسكرة في الشرق الأوسط

الصراع الأبدي على الخلافة في الأرض لم يكن ليتوقف منذ بدء الخليقة , ومن بقعة لأخرى يتخذ سيناريو يتشكل بملامح العقيدة حينا و الهيكلة السياسية والاقتصادية والعسكرية أحيانا كثيرة.

عقيدة الحكم الأبدي وخلافة الإرث من السلف للخلف استوطنت دول المنطقة العربية بلا استثناء . فكان الحكم يترنح من ملكي إلى مدني إلى عسكري بنفس العقيدة المستبدة .

على مدار ثمانية عقود كان الصراع مستعرا بين الحراك الديني والعسكري تحت السطح,  ليفرز أجيالا تسعى للتغيير على حساب الاستقرار , في حقبة من الفوضى التي لا يمكن بحال من الأحوال أن توصف بالخلاقة كما كان يحاول أن يروج لها الغرب.

الصراع الذي توغل في طبقات المجتمعات العربية بكافة شرائحها ومعتقداتها , كشف عن تنظيمات موازية خرجت من دروس الإخفاق التي منى بها أصحاب تحالفات المصالح على حساب الشعوب بمنهاج جديد.

منهاج التنظيمات الموازية على مدار العقود الماضية وتحالفاتها وانشقاقاتها أخفق أكثر من مرة في الوصول إلى الحكم في اكثر من دولة .

وبين عنف مسلح وانخراط في العمليات السياسية وتكوينات خارجة عن الأنظمة ومدعومة من جهات منتفعة تفتت الحلم بحكم مدني يلبي احتياجات المواطن في تلك الدول .

الأسر الحاكمة في الشرق العربي لا تختلف كثيرا عن الأسر التي استأثرت بمقاليد الحكم في قلب الوطن العربي سواء في مصر أو العراق أو الشام أو بلاد المغرب العربي.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو : هل تستحق التنظيمات المناهضة لتلك الأنظمة على مدار عقود فرصة للحكم ؟

والإجابة المنطقية بالتأكيد نعم إن كانت تأتي بشكل ديمقراطي وبمطلب جماهيري واتفاق من أكثرية .

وبالعودة إلى الدروس المستفادة نجد التجربة الجزائرية في التسعينات التي خلفت مجازرا لا يمحوها التاريخ بين الجماعات الإسلامية المسلحة والعسكر .

هنالك أيضا الصراع بين التنظيمات المسلحة في مصر والقوات النظامية والتي استمرت لسنوات في صراع حصد أرواح الآلاف من الجانبين . وخلف جيلا ورث الثأر ولا يقبل التفاوض ولا التسوية بأي شكل من الأشكال. لا سيما بعد حادثتي المنصة ورابعة العدوية.

وكذلك التجربة السودانية وتبني معسكرات التدريب للتنظيمات المسلحة في جنوب الوطن العربي , والحركات الإسلامية المسلحة في سوريا والعراق وما خلفه سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين والليبي معمر القذافي, وخروج تلك المناطق عن السيطرة ,

غير أن بلدا جديدا انضم إلى التاريخ بوصول فصائل وتنظيمات إسلامية مسلحة كانت ولا تزال محظورة دوليا وعلى قائمة الإرهاب عالميا .

سوريا التي عانت من سطوة نظام الأسد لعقود ودمرت مدن بأكملها وهجر أهلها هربا من ويلات الحرب عادت إلى الواجهة بنظام جديد . أطاح في ليلة وضحاها بنظام بال معزول تعمد افقار شعبه وتدمير مقدراته الاقتصادية .

وفي نشوة النصر تتوارى المخاوف من استبداد جديد , يرفض خوض انتخابات حرة نزيهة قبل عدة سنوات , ويسعى لعقد تحالفات متباينة تضمن شرعيته , وفي صفقة هادئة يتم بسط نفوذ تركي اسرائيلي امريكي على البلاد من جديد في توزيعة جديدة للتحالفات تضمن مصالح دول الجوار والغرب في سوريا ليقف المواطن السوري من جديد في نفس البقعة مشتتا بلا حدود آمنة ولا أرض موحدة ولا اقتصاد حر يعيد بناء ما دمره النظام السابق , الا في إطار صفقات استثمارية جديدة مع الدول الراعية لتنصيب النظام الجديد والتي تعرف جيدا ثروات السوريين وكيفية الاستفادة منها . قواعد عسكرية أجنبية تحل محل سابقتها فتتبدل الروسية بالأمريكية , والتركية بالإيرانية , وداعش بتحرير الشام .

التحرر من قيود الأسد في حد ذاته إنجاز لا يمكن إغفاله , وكذلك فتح السجون سيئة السمعة وإطلاق سراح معتقليها وعودة اللاجئين.

لكن المعضلة هنا في قدرة النظام الجديد على التكيف مع أزمات الشعب السوري , وترك السلاح وانتهاج المناهج العلمية لإيجاد حلول لتلك الأزمات التي تحتاج إلى عقول وخبرات السوريين الذين أثبتوا جدارة في الشتات في مجالات العلوم والطب والهندسة وغيرها من مناحي الحياة.
-------------------------
بقلم: كوكب محسن


مقالات اخرى للكاتب

تحت المجهر | متلازمة الإعمار والتهجير .. فاصل ونواصل