الجميع يدرك أن اتفاق الهدنة للحرب الصهيونية على غزة يواجه العديد من التحديات، وخروقات قوات جيش الكيان المحتل واقع سيحدث وسيتواصل، وستظل الولايات المتحدة تدعم الكيان في عدوانه، وهو الواقع الذي نراه على مدى الأيام الأخيرة منذ الإعلان عن الهدنة نهاية الأسبوع الماضي، ليصل عدد الشهداء في مجازر صهيونية، في ثلاثة ايام إلى رقم الـ120 شهيدًا، بينهم ما يزيد عن النصف من الأطفال والنساء، وفي عمليات عسكرية بأنحاء قطاع غزة، هذا بخلاف ما يقارب 300 مصاب، حتى كتابة هذه السطور.
الهدنة خطوة مهمة جدًا لوقف نزيف دماء الغزاويين من العدوان الصهيوني، في نفس الوقت ستواجه الهدنة تحديات عديدة، خصوصًا في ظل عدم تحديد من سيدير غزة فيما بعد وبعد اليوم التالي لوقف الحرب فعليًا، وعلى الأرض، مع غياب وجود بديل فعلي لقوات المقاومة صاحبة الكلمة على الأرض، ويبقى التالي وهو ملف إعادة الإعمار.
ولاشك أنه إلى جانب الجهود التي قامت بها مصر وقطر مع دور أمريكي واضح في الوصول إلى اتفاق الهدنة، هناك جانب أخر ومهم، كان له دور في التوصل إلى الهدنة، وهو التوازنات التي برزت على المستوى الإقليمي والدولي، ورغم أن كل ذلك تظل هناك تعقيدات تواجه الهدنة، مع خشية أن تحدث نكسة مع الخروقات الصهيونية المتعمدة، وفي ظل خلافات داخل الكيان المحتل.
المراقبون يرون أن ممارسة الضغط على إسرائيل مطلوب حتى تلتزم بوقف الحرب وعملياتها العسكرية، ومجازرها على غزة، وسط شكوك وتخوفات من أن يتعمد رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" وحكومته افشال الهدنة، ووقف الحرب وإطلاق النار، وهو ما حذرت منه المقاومة الفلسطينية.
وتدرك مصر منذ البداية أهمية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، للدخول في المراحل التالية للهدنة، وصولا إلى ما أكدت عليه وزارة الخارجية، بأن يكون اتفاق الهدنة بداية لعملية سياسية جادة وبمصداقية تقود إلى استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وخصوصا حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود الرابع من يونيو 1967.
وهذا هو الحل الوحيد المستدام والكفيل بإنهاء دورات النزاع بصورة نهائية، حتى لا يتكرر على مدى نحو 15 شهرًا، منذ 7 أكتوبر 2023، والمستمر حتى اللحظة رغم إعلان الهدنة، ومن هنا كان تأكيد مصر ممثلة في وزارة الخارجية للبدء دون تأخير في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الرهائن والأسرى، مع التزام كل أطراف الاتفاق ببنوده والعمل على تنفيذ مراحله في التواريخ المحددة لها.
ومن المؤكد أن السرعة في نفاذ المساعدات وتوفير عوامل الأمان لوصولها إلى لمختلف ضحايا الحرب في أنحاء قطاع غزة، أمر مهم لمواجهة الأزمات التي يواجهها سكان القطاع، إلا أن الأمر الذي يحتاج جهد كبير هو تهيئة الأجواء لإعادة إعمار قطاع غزة.
ومبكرًا جاء إعلان مصر عن استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي لمناقشة متطلبات اعادة إعمار قطاع غزة، ومن هنا يأتي سؤال مهم، "من يتحمل فاتورة إعادة إعمار ما دمرته الحرب الصهيونية وعلى مدى 15 شهرًا؟".
اخراج إسرائيل والولايات المتحدة من ملف إعادة إعمار غزة أمر غير مقبول، ويجب أن يكون جزءً رئيسياً من النقاش، فيجب أن تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية، ثمن مساعداتها التي لم تتوقف لإسرائيل في حرب الإبادة التي دمرت كل البنى التحتية، و75% من المباني السكنية، وغيرها من المرافق العامة، والمنازل التي لم تعد صالحة للسكن.
بل من المهم ان تدفع إسرائيل ثمن عدوانها، ولا يجب ألا يمر مرور الكرام، بل من المهم أن تدرك إسرائيل ثمنًا لعدوانها، وتدرك حجم المأساة التي تسببت فيها لأكثر من 1,5 إلى 2 مليون فلسطيني في غزة، والتشريد الذي تسببت فيه هجماتها ومجازرها لعام وربع العام، وما خلفته من كوارث إنسانية.
المؤكد أن حجم الدمار في غزة فاق أي دمار تسببت فيه الحروب منذ الحرب العالمية الثانية، لأن العدوان الصهيوني ركز على المدن والأحياء السكنية والخدمات والمرافق، وهو ما ساهم في كوارث ليس لها حدود، وإعادة الإعمار ستحتاج لمئات المليارات من الدولارات، وتعاون المجتمع الدولي كله أصبح ضرورة.
والأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية، تبين حجم الدمار الذي أصاب غزة من العدوان الصهيوني، فنحو أكثر من 170 ألف مبنى بما يعادل ثلثي مباني قطاع وبنسبة تتراوح ما بين 69% و75% من المباني تضررت كليا بل العديد منها تم تسويته بالأرض، وهذا الأرقام تمثل 250 ألف وحدة سكنية، مع تقديرات تشير إلى أن حجم خسائر الدمار تتراوح بين 18 إلى 20 مليار دولار.
الخطر الذي يتطلب علاجا عاجلا هو كيفية توفير مأوى سريع للمتضررين من العدوان الصهيوني، والذين يقترب عددهم من ميلوني شخص، إلى حين أن يتم إعادة الإعمار والتي تستغرق سنوات تمتد الى ما بين 2035 و2040.
القراءة الدقيقة لأرقام حجم الدمار الذي أصاب قطاع غزة، يتطلب أن تتحمله إسرائيل، ومن عاونها، فقد دمرت مئات المباني الحكومية، والمدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية ودور العبادة، منها 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجدًا وعددا من الكنائس، مع اضرار بالغة لنحو 70% من مدارس وكالو غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" وما يقرب من ثلثي مساجد غزة بنسبة تجاوزت 61.5%، بخلاف تدمير شبه كامل لمنشآت المنظومة الصحية، والتي يصل عددها إلى 36 مستشفى، مع انعدام شبة كامل للطرق وبنسب الثلثين لطرق القطاع (68%)، وتدمير شبكات المياه التي لا تعمل إلا بنسبة تقل عن 25% من قدراتها، وتدمير نصف مساحة الأراضي الزراعية ، وهو أدى لانعدام الأمن الغذائي، ونفوق آلاف رؤوس الماشية.
وقبل بدء الإعمار لغزة يتطلب إزالة ركام الدمار الذي تصل التقديرات إلى أنه يصل 40 إلى 50 مليون طن، ويحتاج لسنوات لإزالته تدريجيا لبدء خطط الإعمار، وعشرات المليارات من الدولار، وفي أقل تقديراتها 40 مليار، سواء المباني السكنية والمحلات التجارية والمصانع والمدارس والمستشفيات ومحطات المياه والصرف والطاقة، مع ملاحظة ان هناك أرقام تشير إلى أن هذا الركام يحتوي على بقايا جثث بشرية تتجاوز 10 آلاف من المفقودين.
الوضع جد خطير، فهذه الأرقام جزء من كل، وترتيب ملفات إعادة غزة، يتطلب دعم المجتمع الدولي ليتحمل كل طرف مسؤوليته، وتدفع إسرائيل وأمريكا الثمن لما تسببوا فيه للسكان المدنيين، الذي تحملوا 15 شهرا من العذاب والقتل والتدمير والتجويع، -- افتحوا كل الملفات فقد حان وقت الحساب.
-------------------------
بقلم: محمود الحضري