قلت مراراً أن أي عاقل يرفض الثورات العربية بثقافتها وأدبياتها التي تؤدي في النهاية إلى خراب البلاد وانهيار مؤسساتها بدءا من الثورة العربية الكبرى كما أسموها وانتهاء بما يحدث الآن في سوريا، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن نظم الحكم هي نظم رشيدة وواعية، لكنها نظم تحتاج إلى التغيير لإغفالها قراءة الواقع واستشعار الخطر، ففي النهاية وللأمانة ليس العيب في الثورة ولكن في انحرافات المسارات الثورية، وتلك الطغمة التي استباحت أوطاننا العربية ولم تستسلم للحقيقة والواقع بسهولة، لذا تجد لكل ثورة مردة وشياطين يحيلونها من حالة البناء والتغيير، إلى حالة من الدفاع الدائم عن النفس طول الوقت، وذلك بفعل الثورة المضادة المدعومة من القوى الرجعية التي تمتلك المال الوفير لإنفاذ مخططاتها وإحباط كل نجاح ممكن، ولننظر إلى أوروبا والغرب عموماً وكيف وصلوا إلى ما هم عليه الآن، إلا من خلال ثورات عديدة حتى تحققت لهم حالة الديمقراطية التي يعيشونها، ويستطيع المواطن أو الحزب أن يغير بلا ثورات وبمنتهى اليسر عبر العمل السياسي المشروع والمتاح للجميع، لذا لن تجد بينهم نماذج مثل (أحمد المنصور) لأن الديكتاتوريات هي صانعة الإرهاب ومفرخته الأولى، وهي تجعل من الناس إما مهزومين أو مجرمين، وليس هناك طريق ثالث وهذه هي الحقيقة المؤلمة في عالمنا العربي، وآن الأوان أن ندرك أن الديمقراطية هي الحل، وهي ركيزة بناء الأوطان على أسس سليمة، هذا بوجه عام، أما بالنسبة لنا في مصر فإن الأمر أصبح ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل بل تتطلب التعجيل الآن قبل غد، فنحن بحاجة فعلاً إلى بناء وإقامة الديمقراطية حتى يصبح التداول السلمي للسلطة أمراً عادياً، ساعتها ستختفي كل الأفكار البائسة والهدامة، فمصر تحتاج إلى تغيير ثقافة الحكم، كما يحتاج الشعب أيضاَ إلى تغير كبير في ثقافته السياسية والاجتماعية، ولا أرى أن الأمر عسير، كل ماهو مطلوب أن يؤمن أهل الحكم بهذا الشعب وقدراته الجبارة، وأن يثق الشعب بأهل الحكم، ولن تأتي هذه الثقة من أعلى هرم البناء السياسي لقاعدته .
نحن بحاجة إلى ثورة إدارية على كل اللوائح العقيمة المنظمة لأسلوب الإدارة المصرية، نحن بحاجة لثورة على أنفسنا وليطهر كل منا نفسه من الموالاة واللامبالاة والأحلام الذاتية الضيقة، كما نحن بحاجة لثورة في الصناعة والزراعة والصحة والتعليم، ساعتها تنبت الارض العقول وتخضر كل ربوع الوطن .
آمنوا بهذا البلد، كونوا أهلاً للتحدي، فمع الإرادة كل الحقائق والأمنيات ممكنة ..
عوداً لأحمد المنصور، لا أعرف لماذا يظهر وبجواره ملثمون؟ فالمصلحون لا يخافون ولا يتوارون، وبالنسبة لما قاله والده في برنامج تليفزيوني شهير، أعتقد أنه آن الآوان لنتخطى هذه الأساليب الإعلامية القميئة وغير اللائقة، لأنها تأتي بنتائج عكسية تماما ومستفزة، فلا داعي لمدرسة الستينيات وأساليبها البالية والقميئة .. تطوروا، ثوروا، وتغيروا إلى الأفضل، نريد إعلاماً واعيا فالإعلام هو أداة التنوير.
حمى الله مصر وأنار لها درب الحقيقة وغدها المشرق الجميل بإذن الله.
-----------------------
بقلم: سعيد صابر